إن تناسب آيات القرآن في السورة الواحدة، وتناسب سوره، ورفع ما قد يتوهم من تعارض، والترجيح بين نصوصه - هذا كله من علوم الإسلام الخاصة، ومن معالمه العقلية التي رسمت فلسفته الخاصة قبل أن يعرف المسلمون فلسفات الأم الأخرى.
ب - ومع عادة القرآن في ذكر المقابل يجد الفطن اللبيب، ومن رزق الذوق الفني في بلاغة لغته يجد لكل سورة من سوره.
روحا واحدا تتميز به عن كل ما سواها من السور، تتعدد بعدد سوره.
وهذه معجزة أخرى لا يوجد قريب منها في كلام البشر.
ومع هذا الروح يجد صاحب هذا الذوق سلكا دقيقا بديعا من معانيه، يربط
موضوعاته في السورة الواحدة.
خذ مثلا من سورة المجادلة:
١ - افتتحت بموضوع المرأة التي ظاهر منها زوجها، وشكت إلى الرسول، وكانت شكواها نجوى بينها وبين الرسول، لم تسمعها عائشة وهي في حجرتها قريب منها، وسمعها اللَّه، وأنزل حكم الظهار.
٢ - فناسب ذلك أن يذكر اللَّه المحادّين لله ورسوله، وما ينبئهم بما كانوا عليه في سرهم وعلانيتهم.
٣ - وناسب أن يذكر حال الذين يتناجون وعلمه بنجواهم.
٤ - وناسبه أن يذكر حال المنافقين الذين كانوا يتناجون بمعصية الرسول ويقولون في أنفسهم: (لولا يعذبنا اللَّه بما نقول)
يحسبون أنه لا يعلم سرهم ونجواهم.
٥ - وناسبه أن يذكر للمؤمنين أدب النجوى وأدب المجالس.
٦ - وأن يذكر لهم أدب نجواهم مع الرسول.
٧ - ثم ناسبه أن يذكر الذين يتولون الكافرين، خفية، من دون المؤمنين، وأنهم يحلفون لله، كذبا، يوم القيامة، كأنهم يحسبون أنه لا يعلم.
إنها موضوعات يحسب عديم الذوق أنها متناثرة، ولكن عند التذوق نجدها
مجموعة تحت فكرة النجوى، كما بحدها جميعها: تربية للنفوس ودخائلها، وبناء