للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الجدال بالتي هي أحسن:

فإنه، وإن كان في هذه الآية عاما، فقد جعله اللَّه خاصة في جدال أهل الكتاب، فقال: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .

وذلك اعتداد، من القرآن، بما عندهم من كتاب منزّل، يعترف القرآن بصحة أصله ولا يبطل هذا الأصل ولا ينكره، مما قد يدفع أهله إلى الانفعال، الدافع إلى تجاوز آداب الحوار.

وهنا يلزم القرآن المسلم بما هو (أحسن) ولا يكتفي (بالحسن) الذي

اكتفى به في الموعظة.

٣ - وإذا كانت المعارك الفكرية، عادة، تنتهي يالمتحاورين، إلى عداء، أو قطيعة، فإن القرآن يقرر أنه يجب أن تنتهي إلى المسألة التي لا خصومة فيها، ولكلٍّ ما يعتقد.

تقرر ذلك آية سورة الشورى: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) .

* * *

[٩ - فلسفة الحوار الإسلامي:]

والفلسفة التي يقوم عليها إقرار الحوار في الإسلام، وتردّ إليها آدابه ومبادئه، وتشكل هذه الآداب والمبادئ، وتنطلق منها هذه المبادئ والآداب، في ضوء رؤية كلية، هي، بالنسبة للحوار ومبادئه وآدابه، بمثابة الجذع للفروع. وهذا هو معنى الفلسفة، في تصورها العام: البحث عن الكليات، والعلة الجامعة لشتات الجزئيات - هذه الفلسفة هي: وحدة الحق، وأنه لا يتعدد، وأن الحق الواحد لا يقابله إلا الباطل.

كما يقابل الخطأ الصوابُ، والضلال الهدى.

وذلك في أصول الديانة، وقواعد الإيمان.

يقول اللَّه - تَعَالَى في سورة يونس: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) .

وبناء على هذا الأساس الفلسفي تقرر في الإسلام، أنه يجب على الإنسان أن

يبحث بنفسه عن (الحق) .

يستعين على بحثه ذاك: بالعلم، وبالعقل، وبسؤال

<<  <   >  >>