٢ - وأن يكون أسلوب الحوار ساميا إلى أعلى درجات الحسن والأدب. يقول اللَّه، في آية جامعة لمنهج الدعوة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) .
وهي آية فذة في موضوعها، تستطع أن تجد فيها الركائز الرئيسة لأدب الدعوة.
والمراد بالحكمة - بصرف النظر عن مدلولاتها اللغوية، وما تصدق عليه - التعبير عن طبيعة أسلوب الدعوة، وضرورة اتصافه بالحكمة وسلوكه طريقها، فهي إرشاد إلى طريقة الدعوة العملية في هداية الناس وإرشادهم، وفي ذلك بيان أن إلقاء الحق المجرد، من غير مراعاة الحال والظروف والواقع غير كافٍ الهداية والإرشاد.
وإني أذكر قوما مخلصين في دعوتهم، ولكنهم غلاظ، يلقون الحق مجردا من هذه المراعاة، يحسبون غلطهم قوة في الإيمان - لهؤلاء أذكر هذه القصة، وبطلها هو موقظ الشرق من غفونه وغفلته: جمال الدين الأفغاني، حين رحل إلى الهند داعيا إلى الإسلام، فنزل أرض بعض السلاطين، قد حماها للصيد، فما كان من السلطان إلا أن أمر باعتقاله ومن معه، ثم استحضرهم بعدُ، وأخذ يؤنبهم على جراءتهم على اقتحام أرضه.
فاعتذر له الأفغاني بأنهم غرباء.
ومن حواره عرف السلطان أنهم إيرانيون فما كان منه إلا أن قال: إيرانيون كلاب!!
فكيف تصرف فيلسوف الشرق والإسلام؟
لعل هؤلاء المتحمسين الغلاظ يظون أنه أغلظ الردّ، ويحسب ذلك إيمانا
واستشهادا، أما جمال الدين فقد قال: صدقت أيها الملك.
لولا ما منَّ اللَّه به علينا من دين لكنا اليوم أحط من الكلاب!!
وقضى الملك أياما يتفكر في تلك الكلمة:
لولا ما منَّ اللَّه به علينا من دين لكنا اليوم أحط من الكلاب "
أي دين هذا؟
فاستدعى جمال الدين، وسأله عن ذلك الدين.
وانتهى التعريف، الذي قام على أسلوب الحكمة، التي راعت مقام الملك - انتهى بإسلام الملك وإسلام مملكته!
أما الموعظة الحسنة، فإنها ذلك الكلام الرقيق المهذب، الذي يمس شغاف القلوب، ويؤلفها، ولا ينفرها، والذي يخاطب بحسنه فطرة الإيمان في كل إنسان، والذي يدخل القلوب برفق، ويمس المشاعر في محبة، وحرص على الخير للمدعوّ.