لهذه النفوس التي ستنهض ببناء المجتمع الإنساني كله؛ ولذلك نشهد في هذه
السورة علاجا لبعض الأحداث والعادات، والنزوات، كما نشهد فيها تربية اللَّه لجماعة المسلمين، ويبنى في ضمائرها الشعور الحي بوجوده سبحانه معها في أخص حالاتها، وأخفى طواياها، كما يرلي أخلاقها على مما يليق بالجماعة الرائدة المعلمة، المخصوصة بعنوان (حزب اللَّه) .
* * *
[أما ما زعمتم من وجود التكرار في القرآن]
أقول لعلكم انشغلتم بما ذكره صاحب قصة الحضارة من أن مرقس يكرر المسألة الواحدة في عدة صور، وأن متى يكرر أقوال مرقس، وأن لوقا يقتبس كثيرا من كتابات مرقس.
لماذا لم تعيبوا هذا؟
وهذا - حقا - لا يعنينا، ولا يشغلنا، إن الذي يعنينا أن نوضح لكم سوء فهمكم للقرآن، وزعمكم التكرار فيه إنما منشؤه هو منشأ سابقه، من عدم فهم أسرار تراكيب القرآن.
إن القرآن عندما يذكر قصة، كقصة موسى، وهي أكثر قصص
القرآن ذكرا، لا يكررها، وإنما يذكر منها، في كل موطن جزءا منها يناسب سياق الموضوع الذي ذكر فيه، بحيث إنك لو جمعت هذه الأجزاء كوفت (وحدة موضوعية) متكاملة.
وأمر آخر: هو أن القرآن كتاب هداية، قبل أي غرض آخر، وهو خطاب للبشرية كلها، يضع لها نظمها في الاعتقاد، والعبادد، والعلاقات الاجتماعية والمالية، والآداب التي تعلي الإنسان.
وللوصول إلى هذه الأهداف لا بد أن يطرق الموضوع
الواحد عدة مرات، مع اختلاف الأساليب وتنويعها، مرة بالشدة، وأخرى باللين، وتارة بالتصريح، وأخرى بالتلميح، ومرة بالبسط وأخرى بالإيجاز، ومرة بضرب الأمثال، وأخرى بتأييد المقال، وكان لا بد في علاجه لأمراض النفوس، وعاداتها المتمكنة، من أن يسلك طرقا متعددة، وأساليب متباينة تبعا لتباين النفوس البشرية التي يخاطبها ويعالجها، واختلاف استعداداتها، حتى يصل بها إلى ما يريد من