للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم على ملة الدين الحق الذي جاء به رسول اللَّه نوح، ويبين لقومه وأبيه بالدليل العملي الواقعي بطلان ما يعبدون، وكاشفا عن غفلتهم إذ يعبدون ما ينحتون، وليس هناك غفلة في الاعتقاد أشد من أن يصنع الإنسان شيئا بيديه، ثم يسميه إلها يعبده.

نجد أن هذه الحوارات في مواضعها المتعددة تمثل - إذا جمعت - حوارا واحدًا

متكامل الأجزاء، يذكر القرآن منها، في كل موضع، ما يناسب سياق الموضع، وليس ذاك تكرارًا للفكرة الواحدة؛ إذ ليس في القرآن تكرارٌ أصلا، كما أن ليس فيه ما يسمى في علم النحو العربي، بعطف التفسير، فمن ظن في القرآن تكرارًا يعيبه به فإنما أتى هو من قبل سوء فهمه للقرآن.

ثم يأبى له سوء فهمه إلا أن يكشف عن عورته لمن يتهمهم.

هذا وسوف يأتي لهذه المسألة مزيد بيان في الإجابة عن

شبهتهم السادسة.

٥ - وإذا كان القرآن الكريم قد ذكر نماذج متعددات للحوار منسوبا إلى أطرافه، فإنه يذكر نموذجًا آخر غير منسوب إلى أطرافه بأعلامها المشخصة، إنما يذكر الحوار نفسه فقط، مما يوحى بأن المهم إنما هو: تقرير المبدأ، في ذاته، بصرف النظر عن أشخاصه، وذلك كما في سورة الكهف: ٣٢ - ٤٢: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (٣٦) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢) .

<<  <   >  >>