وعمارتها لفظ جامع لكل ما يمكن أن يعمله الإنسان في الأرض. على ظهرها أو في بطها، في برها أو بحرها أو جوها. وهذه عبادة.
فقوله - تَعَالَى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) .
قول جامع مجمل فسره ما ذكرت.
وهو مع ذلك يقرر حقيقة إيمانية اعتقادية هي ضرورة إيمان
الإنسان أن كل ما في الوجود: عابد ومعبود وعلى هذه الحقيقة تستقيم حياة
الإنسان ويصلح الكون، ويسعد الإنسان، وما شقيت الإنسانية إلا من نسيان هذه الحقيقة حتى عبد الإنسان نفسه أو عبد الطبيعة.
وهذه العقيدة - بشقيها: عابد ومعبود هي مشكلة الإنسان الكبرى، ومشكلة حضاراته.
فما نسى الإنسان اللَّه المجود الوحيد إلا شقي وأشقى.
وما قامت حياته، وحركاته، ونهضاته على هذه الحقيقة إلا سعد وأسعد.
٢ - فمن أجابكم بأن غاية الخلق هي عبادة اللَّه كان صحيح الجواب، ولكن لا يتم جوابه حتى يشرح هذه العبادة بمثل ما تقدم. ويخطئ من يفسر العبادة بالشعائر الدينية كالصلاة ونحوها.
لذلك جاء في تفسيرها عن الأئمة بأنها: معرفة اللَّه:
وهذه المعرفة لا تتم على وجهها بمجرد أداء هذه الشعائر، لكن يتم بتحقيق مدلول الخلافة ومعرفة أن الملائكة، وهم مفطورون على شعائر العبادات لم يكونوا صالحين للخلافة في الأرض.
إن أول ما نزل من القرآن (اقْرَأ) والأمر بالقراءة مطلق لكل ما يقرأ.
وثاني ما نزل (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١)
أقسم بما يكتب كل كاتب.
فالقيام بهذا وذلك عبادة.
٣ - إن آيات التشريع، بما فيها آيات الشعائر حوالي خمسمائة آية، بينما الآيات الكونية أكثر من خمسين وسبعمائة آية.
فهل يترك هذا لذاك.
وإن الوقت الذي تستغرقه الشعائر جزء يسير من يوم الإنسان فهل يكون فارغًا في أكثر وقته؟
فالله سبحانه فرض على الإنسان عبادتين: تلك الشعائر، وذاك التفكر