عذاب شديدٍ في الآخرة {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} أي لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً، قال الطبري: المعنى إني لم أسألكم على ذلك جُعلاً فتتهموني وتظنوا أني إنما دعوتكم إلى اتباعي لمالٍ آخذه منكم {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} أي ما أجري وثوابي إلا على الله رب العالمين {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي هو تعالى رقيب وحاضر على أعمالي وأعمالكم، لا يخفى عليه شيء وسيجازي الجميع، قال أبو السعود: أي هو مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق} أي يبيِّن الحجة ويظهرها، قال ابن عباس: يقذف الباطل بالحق كقوله:
{بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[الأنبياء: ١٨]{عَلاَّمُ الغيوب} أي هو تعالى الذي أحاط علماً بجميع الغيوب التي غابت وخفيت عن الخلق {قُلْ جَآءَ الحق} أي جاء نور الحق وسطع ضاؤه وهو الإِسلام {وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ} أي ذهب الباطل بالمرَّة فليس له بدءٌ ولا عودٌ، قال المزخشري: إذا هلك الإنسان لم يبقَ له إبداءٌ ولا إعادة، فجعلوا قولهم: لا يبدىء ولا يعيد مثلاً في الهلاك والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى:
{وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل}[الإِسراء: ٨١]{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إن حصل لي ضلالٌ كما زعمتم فإن إثم ضلالي على نفسي لا يضر غيري {وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} أي وإن اهتديتُ إلى الحق فبهداية الله وتفويقه {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} أي سميعٌ لمن دعاه، قريب الإجابة لمن رجاه، قال أبو السعود: يعلم قول كلٍ من المهتدي والضال وفعله وإن بلغ في إخفائهما {وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ} أي ولو ترى يا محمد حال المشركين عند فزعهم إذا خرجوا من قبورهم {فَلاَ فَوْتَ} أي فلا مخلص لهم ولا مهرب {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} أي أخذوا من الموقف أرض المحشر إلى النار، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره: لرأيت أمراً عيظماً وخطباً جسيماً ترتعد له الفرائص {وقالوا آمَنَّا بِهِ} أي وقالوا عندما عاينوا العذاب آمنا بالقرآن وبالرسول {وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي ومن أين لهم تناول الإيمان وهم الآن في الآخرة ومحل الإِيمان في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت منهم بمكان بعيد؟ قال أبو حيان: مثَّل حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بُعدٍ كما يتناوله الآخر من قرب {وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} أي والحال أنهم قد كفروا بالقرآن وبالرسول من قبل ذلك في الدنيا، فكيف يحصل لهم الإِيمان بهما في الآخرة {وَيَقْذِفُونَ بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي يرمون بظنونهم في الأمور المغيبة فيقولون: لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار، قال القرطبي: والعربُ تقول لكل من تكلم بما لا يعرف هو يقذف ويرجم بالغيب، وعلى جهة التمثيل لمن يرمي ولا يصيب {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} أي وحيل بينهم وبين الإِيمان ودخول الجنان {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} أي كما فعل بأشباههم في الكفر من الأمم السابقة {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ} أي كانوا في الدنيا في شك