رسولٌ من رب العالمين، أُنذركم وأخوفكم من عذابه إن لم تؤمنوا، ولستُ بساحرٍ ولا شاعر ولا كاهن {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله الواحد القهار} أي وليس لكم ربٌ ولا معبود إلا الواحد الأحد، الغالب على خلقه، القاهر لكل شيء {رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي خالق جميع ما في الكون من الخلائق والعجائب، والمتصرف فيها بالإِيجاد والإِعدام {العزيز الغفار} أي الغالب على أمره الذي لا يُغلب، المبالغ في المغفرة لمن شاء من العباد قال الرازي: لما ذكر أنه {قهار} وهذا مشعر بالترهيب والتخويف، أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب وذلكرثلاث صفات دالة على الرحمة، والفضل والكرم وهي:«الرب، العزيز، الغفار» فكونه رباً مشعر بالتربية والإِحسان، وكونه عزيزاً مشعرٌ بأنه قادر على كل شيء ولا يعجزه شيء، وكونه غفاراً مشعر بالترغيب وأنه يرجى فضله وثوابه، فلو بقي الإِنسان على الكفر سبعين سنة، ثم تاب فإن الله سبحانه يغفر له برحمته جميع ذنوبه، ويمحو اسمه من ديوان المذنبين، ويوصله إلى درجات الأبرار {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} أي قل لهم يا محمد: إن هذا القرآن الذي جئتكم به هو نبأ هام وأمر عظيم الشأن، أنتم عنه غافلون لا تلتفون إليه ولا تعلمون قدره {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أي من أين لي العلم باختلاف الملائكة في شأن خلق آدم لولا الوحي المنزل عليَّ؟ قال ابن جزي: والقصدُ الاحتجاج على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنه أخبر بأمور لم يكون بعلمها قبل ذلك، والإشارة الى اختصام الملائكة هو ما جاء في قصة آدم حين قال تعالى لهم
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] حسبما تضمنته قصته في مواضع من القرآن {إِن يوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي ما يوحى إليَّ إلا لأني رسولٌ مرسل إليكم لأنذركم عذاب الله، ومعنى النذير المنذر المخوّف من عذاب الله، ثم شرع تعالى في ذكر قصة آدم فقال {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} أي اذكر حين أعلم ربك الملائكة أنه سيخلق إِنساناً من طين وهو آدم عليه السلام {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} أي فإذا أتممتُ خلقه وفنخت فيه الروح فاسجدوا إكراماً له وإِعظاماً قال القرطبي: وهذا سجود تحية لا سجود عبادة {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} أي فسجد جميع الملائكة خضوعهاً له وتعظيماً لأمر الله بالسجود له {إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} أي لكن إبليس استكبر عن طاعة الله وأبى السجود لآدم فصار من الكافرين قال ابن كثير: امتثل الملائكة كلهم سوى إبليس، ولم يكن منهم جنساً كان من الجن، فخانه طبعه وجبلته فاستنكف عن السجود لآدم، وخاصم ربه عَزَّ وَجَلَّ فيه، وادعى أنه خيرٌ من آدم، فكفر بذلك وطرده الله عن باب رحمته، ومحل أنسه، وحضرة قدسه {قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ؟ أي: قال له ربه: ما الذي صرفك وصدَّك عن السجود لمن خلقته بذاتي من نغير واسطة أب وأم؟ قال القرطبي: أضاف