للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباهرة فجادلهم قومهم وكذبوهم فتأسَّ بهم في الصبر على ما ينالك قال القرطبي: عزَّاه تعالى بما لقيت الرسلُ من قبله {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} أي من هؤلاء الرسل من أخبرناك عن قصصهم مع قومهم، ومنهم من لم نخبرك عن قصصهم وأخبارهم {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي وما صحَّ ولا استقام لرسولٍ من الرسل أن يأتي قومه بشيء من المعجزات إلا بأمر الله، وهذا ردٌ على قريش حيث قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اجعل لنا الصفا ذهباً وغير ذلك من مقترحاتهم {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق} أي فإِذا جاء الوقت المسمّى لعذابهم أهلكهم الله {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} أي خسر في ذلك الحين المعاندون الذين يجادلون في آيات الله، ويقترحون المعجزات على سبيل التعنت، ثم ذكَّرهم تعالى بعمه فقال {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} أي الله جلَّ وعلا الذي لا تصلح الألوهية إلا له، هو الذي سخَّر لكم هذه الأنعام «الإِبل والبقر والغنم» خلقها لكم ولمصلحتكم {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي لتركبوا على ظهور بعض هذه الحيوانات، وتأكلوا من لحومها وألبانها، {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} أي ولكم في هذه الأنعام منافع عديدة في الوبر والصوف والشعر، واللبن والزبد والسمن {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} أي بحمل الأثقال في الأسفار البعيدة {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي وعلى هذه الإِبل في البر، وعلى السفن في البحر تُحملون، وإنما قرن بين الإِبل والسفن لما بينهما من شدة المناسبة حتى سميت الإِبل سفن البر {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} أي ويريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته في الآفاق والأنفس {فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ} توبيخٌ لهم على إنكارهم لوحدانيته مع ظهور آياته الكثيرة والمعنى أيَّ آية من تلك الآيات الباهرة والدلائل الكثيرة الساطعة تنكرون مع وضوحها وجلائها وكثرتها؟ فإن هذه الدلائل لظهورها لا تقبل الإِنكار {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ} الاستفهام إِنكاري أي أفلم يسر هؤلاء المشركون في أطراف الأرض ليعرفوا عاقبة المتكبرين المتمردين، وآثار الأمم السالفة قبلهم، ماذا حلَّ بهم من العذاب والدمار بسبب كفرهم وتكذيبهم؟ {كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض} أي كانوا أكثر عدداً من أهل مكة، وأقوى منهم قوة، وآثارهم لا تزال باقية بعدهم من الأبنية والقصور والمباني الضخمة {فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي فلم ينفعهم ما كانوا يكسبونه من الأبنية والأموال شيئاً، ولا دفع عنهم العذاب {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي فلما جاءتهم الرسل بالمعجزات الظاهرات، والآيات الواضحات {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} أي فرح الكفار بما هم عليه من العلم الدنيوي، الخالي عن نور الهداية والوحي، فرح بطرٍ وأشر، وأغتروا بذلك العلم {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي نزل بهم جزاء كفرهم واستهزائهم بالرسل والآيات {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ} أي فلما رأوا شدة العذاب وعيانوا أهواله وشدائده قالوا آمنا بالله الواحد الأحد {وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} أي كفرنا بالأصنام والأوثان التي أشركناها في العبادة مع الله {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي فلم يكن ينفعهم ذلك الإِيمان حين شاهدوا العذاب لأنه إيمانٌ عن قسر وإلجاء {سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>