عبادَ الله، إِليَّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكرُّ فله الجنة» وأنتم تمعنون في الفرار {فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ} أي جازاكم على صنيعكم غماً بسبب غمكم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ومخالفتكم أمره {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ} أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة {وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ} أي من الهزيمة، والغرض بيان الحكمة من الغم، وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم وما أصابهم وذلك من رحمته تعالى بهم {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي يعلم المخلص من غيره {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} وهذا امتنانٌ منه تعالى عليهم أي ثم أرسل عليكم بعد ذلك الغم الشديد النعاس للسكينة والطمأنينة ولتأمنوا على أنفسكم من عدوكم فالخائف لا ينام، روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال:«غشينا النعاسُ ونحن في مصافنا يوم أحد، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه» ثم ذكر سبحانه أن تلك الأمنة لم تكن عامة بل كانت لأهل الإِخلاص، وبقى أهل النفاق في خوف وفزع فقال {يغشى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ} أي يغشى النوم فريقاً منكم وهم المؤمنون المخلصون {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} أي وجماعة أخرى حملتهم أنفسهم على الهزيمة فلا رغبة لهم إِلاَّ نجاتها وهم المنافقون، وكان السبب في ذلك توعد المشركين بالرجوع إِلى القتال، فقعد المؤمنون متهيئين للحرب فأنزل الله عليهم الأمنة فناموا، وأما المنافقون الذين أزعجهم الخوف بأن يرجع الكفار عليهم فقد طار النوم من أعينهم من الفزع والجزع {يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق ظَنَّ الجاهلية} أي يظنون بالله السيئة مثل ظنِّ أهل الجاهلية، قال ابن كثير: وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإِسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك، إِذا حصل أمر من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَيْءٍ} أي ليس لنا من الأمر شيء، ولو كان لنا اختيار ما خرجنا لقتال {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ} أي قل محمد لأولئك المنافقين الأمر كله بيد الله يصرّفه كيف شاء {يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ} أي يبطنون في أنفسهم ما لا يظهرون ذلك {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا} أي لو كان الاختيار لنا لم نخرج فلم نُقتل ولكن أكرهنا على الخروج، وهذا تفسير لما يبطنونه قال الزبير: أُرسل علينا النوم الذي وإِنّي لأسمع قول «معتّب بن قشير» والنعاس يغشاني يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ} أي قل لهم يا محمد لو لم تخرجوا من بيوتكم وفيكم من قدّر الله عليه القتل لخرج أولئك إِلى مصارعهم، فَقَدرُ الله لا مناص منه ولا مفر {وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ} أي ليختبر ما في قلوبكم من الإِخلاص والنفاق {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} أي ولينقّي ما في قلوبكم ويطهّره فعل بكم ذلك {والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي عالم بالسرائر مطّلع على الضمائر وما فيها خير أو شر، ثم ذكر سبحانه الذين انهزموا يوم أُحد فقال {إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ} أي انهزموا منكم من المعركة {يَوْمَ التقى