الجمعان} أي جمع المسلمين وجمع المشركين {إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} أي إِنما أزلهم الشيطان بوسوسته وأوقعهم في الخطيئة ببعض ما عملوا من الذنوب وهو مخالفة أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} أي تجاوز عن عقوبتهم وصفح عنهم {إِنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي واسع المغفرة حليم لا يعجل العقوبة لمن عصاه، ثم نه سبحانه عن الاقتداء بالمنافقين في أقوالهم وأفعالهم فقال {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} أي لا تكونوا كالمنافقين {وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأرض} أي وقالوا لإِخوانهم من أهل النفاق إذا خرجوا في الأسفار والحروب {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} أو خرجوا غازين في سبيل الله {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} أي لو أقاموا عندنا ولم يخرجوا لما ماتوا ولا قتلوا، قال تعالى ردّاً عليهم {لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} أي قالوا ذلك ليصير ذلك الاعتقاد الفاسد حسرة في نفوسهم {والله يُحْيِي وَيُمِيتُ} ردٌّ على قولهم واعتقادهم أي هو سبحانه المحيي المميت فلا يمنع الموت قعود {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي مطلع على أعمال العباد فيجازيهم عليها {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله} أي استشهدتم في الحرب والجهاد {أَوْ مُتُّمْ} أي جاءكم الموت وأنتم قاصعدون قتالهم {لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} أي ذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} أي وسواء متم على فراشكم أو قتلتم في ساحة الحرب فإِن مرجعكم إِلى الله فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقربكم إلى الله ويوجب لكم رضاه من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، ولله در القائل حيث يقول:
فإِن تكن الأبدان للموت أُنشئت ... فقتل امرئٍ بالسيف في الله أفضل
البَلاَغَة: ١ - {يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ} أي يرجعوكم من الإِيمان إِلى الكفر وهو من باب الاستعارة وقد تقدم.
٢ - بين لفظ {آمنوا} و {كَفَرُواْ} في الآية طباق وكذلك بين {يُخْفُونَ} و {يُبْدُونَ} وبين {فَاتَكُمْ} و {أَصَابَكُمْ} وهو من المحسنات البديعية.
٣ - {وَبِئْسَ مثوى الظالمين} لم يقل وبئس مثواهم بل وضع الظاهر مكان الضمير للتغليظ وللإِشعار بأنهم ظالمون لوضعهم الشيء في غير موضعه والمخصوص بالذم محذوف أي بئس مثوى الظالمين النار أفاده أبو السعود.
٥ - {يَظُنُّونَ بالله ... ظَنَّ} بينهما جناس الاشتقاق وكذلك في {فَتَوَكَّلْ ... المتوكلين}[آل عمران: ١٥٩] .
٦ - {إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأرض} فيه استعارة تشبيهاً للمسافر في البر بالسابح الضارب في البحر. لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء شقاً لها واستعانة على قطعها كذا في تلخيص البيان.