للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من صفات الخالق الرازق، فإنه لا يملك قدرة الكلام ولا قدرة هدايتهم إِلى سبيل السعادة فكيف يتخذ إِلهاً؟ {اتخذوه وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} أي عبدوا العجل واتخذوه إِلهاً فكانوا ظالمين لأنفسهم حيث وضعوا الأشياء في غير موضعها، وتكرير لفظ {اتخذوه} لمزيد التشنيع عليهم {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أي ندموا على جنايتهم واشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} أي تبينوا ضلالهم تبيناً جلياً كأنهم أبصروه بعيونهم {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا} أي لئن لم يتداركنا الله برحمته ومغفرته {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} أي لتكوننَّ من الهالكين قال ابن كثير: وهذا اعترافٌ منهم بذنبهم والتجاءٌ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.

البَلاَغَة: ١ - {فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة} بين لفظ الحسنة والسيئة طباقً كما أن بين لفظ {طَائِرُهُمْ} و {يَطَّيَّرُواْ} جناس الاشتقاق وكلاهما من المحسنات البديعية.

٢ - {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ} عدل عن الماضي إِلى المضارع لاستحضار الصورة في ذهن المخاطب ومثله {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} والأصل ما صنعوا وما عرشوا.

٣ - {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أتى بلفظ تجهلون ولم يقل: جهلتم إِشعاراً بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماضٍ ولا مستقبل.

٤ - {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} فيه التفات من الغيبة إِلى الخطاب للمبالغة في الحض على نهج سبيل الصالحين، والأصل أن يقال: سأريهم.

٥ - {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} هذا من باب الكناية فهو كناية عن شدة الندم لأن النادم يعض على يده غماً.

٦ - بين لفظ {مَشَارِقَ} و {مَغَارِبَ} طباقٌ.

تنبيه: مذهب أهل السنة قاطبة على أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وأنكرت المعتزلة ذلك واستدلوا بالآية الكريمة {لَن تَرَانِي} وليس لهم في هذه الآية متمسك بل هي دليلٌ لأهل السنة والجماعة على إمكان الرؤية، لأنها لو كانت مُحالاً لم يسألها موسى فإِن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل، ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان في الجواب زجرٌ وإِغلاظ كما قال تعالى لنوح {فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: ٤٦] فهذا المنع من رؤية الله إِنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك قال مجاهد: إِن الله قال لموسى: لن تراني، لأنك لا تطيق ذلك ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد، فإِن استقرو أطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت، وإِن لم يُطق الجبل فأحرى ألاّ تطيق أنت فعلى هذا جعل الله الجبل مثالاً لموسى ولم يجعل الرؤية مستحيلة على الإِطلاق، وقد صرح بوقوع الرؤية في الآخرة كتابُ الله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] فلا ينكرها إلا مبتدع.

َفَائِدَة: لما سمع الكليم موسى كلام الله اشتاق إِلى رؤيته، لأن التلذذ بسماع كلام الحبيب يزيد

<<  <  ج: ص:  >  >>