للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عاقبتهم رسوخ النفاق في قلوبهم إِلى يوم لقاء الله {بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ} أي بسبب إِخلافهم ما عاهدوا الله عليه من التصدق والصلاح {وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} أي وبسبب كذبهم في دعوى الإِيمان والإِحسان {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم أسرارهم وأحوالهم ما يخفونه في صدورهم، وما يتحدثون به بينهم؟ {وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب} أي لا يخفى عليه شيء مما غاب عن الأسماع والأبصار والحواس؟ {الذين يَلْمِزُونَ المطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} أي يعيبون المتطوعين المتبرعين من المؤمنين في صدقاتهم {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} أي ويعيبون الذين لا يجدون إِلا طاقتهم فيهزءون منهم روى الطبري عن ابن عباس قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وجاء رجل من الأنصار بصاعٍ من تمر، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إِلا رياءٌ، وإِن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع فنزلت {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} أي جازاهم على سخريتهم وهو من باب المشاكلة {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي عذاب موجع، هو عذاب الآخرة المقيم {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أمر ومعناه الخبر أي سواء يا محمد استغفرت لهؤلاء المنافقين أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} قال الزمخشري: والسبعون جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير والمعنى مهما أكثرت من الاستغفار لهم وبالغت فيه فلن يغفر الله لهم أبداً {ذلك بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} أي عدم المغفرة لهم بسبب كفرهم بالله ورسوله كفراً شنيعاً حيث أظهروا الإِيمان وأبطنوا الكفر {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} أي لا يوفق للإِيمان الخارجين عن طاعته، ولا يهديهم إِلى سبيل السعادة {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله} أي فرح المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك بقعودهم بعد خروج الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مخالفة له حين سار وأقاموا {وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} أي وكرهوا الخروج إِلى الجهاد إِيثاراً للراحة وخوف إِتلاف النفس والمال لما في قلوبهم من الكفر والنفاق {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر} أي قال بعضهم لبعض: لا تخرجوا إِلى الجهاد في وقت الحر، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ استنفرهم إِلى هذه الغزوة في حر شديد، قال أبو السعود: وإِنما قال {وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} على قوله «وكرهوا أن يخرجوا إِلى الغزو» إِيذاناً بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجلِّ الرغائب، وأشرف المطالب، التي يجب أن يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح الذي هو القعود خلاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا لإِخوانهم تواصياً فيما بينهم بالشر والفساد لا تنفروا في الحر، فقد جمعوا ثلاث خصال من الكفر والضلال: الفرح بالقعود، وكراهية الجهاد، ونهي الغير عن ذلك، قال تعلى رداً عليهم {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} أي قل لهم يا محمد: نار جهنم التي تصيرون إِليها بتثاقلكم عن الجهاد أشد حراً مما تحذرون من الحر المعهود، فإِن حر الدنيا يزول ولا يبقى، وحر

<<  <  ج: ص:  >  >>