للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فطافت ثلاثاً بينَ يومٍ وليلةٍ ... وكانَ النكيرُ أن تُطيف وتجْأَرا

{كَظِيمٌ} ممتلئ غماً وغيظاً، والكظم أن يطبق الفم فلا يتكلم من الغيظ {يتوارى} يختفي {هُونٍ} هَوانٍ وذُل {فَرْثٍ} الفرْثُ: الزبل الذي ينزل إِلى الكَرش أو المِعَى {سَآئِغاً} لذيذاً هيناً لا يعصُّ به من شربه {ذُلُلاً} جمع ذلول وهو المنقاد المسخَّر بلا عناء {حَفَدَةً} الحفدة: قال الأزهري أولاد الأولاد، والحفدة: الخدم والأعوان.

التفسِير: {وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين} أي لا تعبدوا إِلهين فإِن الإِله الحق لا يتعدد {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} أي إِلهكم واحد أحد فردٌ صمد {فَإيَّايَ فارهبون} أي خافون دون سواي {وَلَهُ مَا فِي السماوات والأرض} أي ملكاً وخلقاً وعبيداً {وَلَهُ الدين وَاصِباً} أي له الطاعة والانقياد واجباً ثابتاً فهو الإِله الحق، وله الطاعة خالصة {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي كيف تتقون وتخافون غيره، ولا نفع ولا ضر إِلا بيده؟ {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} أي ما تفضَّل عليكم أيها الناس من رزقٍ ونعمةٍ وعافيةٍ ونصر فمن فضلِ الله وإِحسانه {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي ثم إِذا أصابكم الضُّرُ من فقرٍ ومرضٍ وبأساء فإِليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء، والغرض أنكم تلجأون إِليه وحده ساعة العسرة والضيق، ولا تتوجهون إِلا إِليه دون الشركاء {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي إِذا رفع عنكم البلاء رجع فريق منكم إِلى الإِشراك بالله قال القرطبي: ومعنى الكلام التعجيبُ من الإِشراك بعد النجاة من الهلاك {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} أي ليجحدوا نعمته تعالى من كشف الضر والبلاء {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي تمتعوا بدار الفناء فسوف تعلمون عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب، وهو أمرٌ للتهديد والوعيد {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ} أي يجعلون للأصنام التي لا يعلمون ربوبيتها ببرهان ولا بحجة نصيباً من الزرع والأنعام تقرباً إليها {تالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} أي والله أيها المشركون لتُسألنَّ عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله، والمراد سؤال توبيخٍ وتقريع {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} أي ومن جهل هؤلاء المشركين وسفاهتهم أن جعلوا الملائكة بنات الله، فنسبوا إلى الله البنات وجعلوا لهم البنين {سُبْحَانَهُ} أي تنزَّه الله وتعظَّم عن هذا الإِفك والبهتان {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من البنين مع كراهتهم أنهم يأنفون من البنات {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى} أي إِذا أُخبر أحدهم بولادة بنت {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} أي صار وجهه متغيراً من الغم والحزن قال القرطبي: وهو كناية عن الغم والحزن وليس يريد السواد، والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودَّ وجهه {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي مملوءٌ غيظاً وغماً {يتوارى مِنَ القوم مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ} أي يختفي من قومه خوفاً من العار الذي يلحقه بسبب البنت، كأنها بليَّة وليست هبةً إِلهية، ثم يفكر فيما يصنع {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب} أي أيمسك هذه الأنثى على ذلٍ وهوان أم يدفنها في التراب حية؟ {أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي ساء صنيعهم وساء حكمهم، حيث نسبوا لخالقهم البنات - وهي عندهم بتلك الدرجة من الذل

<<  <  ج: ص:  >  >>