والحقارة - وأضافوا البنين إليهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء} أي لهؤلاء الذين لم يصدقوا بالآخرة ونسبوا للهِ البنات سفهاً وجهلاً، صفةُ السوء القبيحة التي هي كالمثل في القبح، فالنقصُ إنما ينسب إِليهم لا إِلى الله {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} أي له جل وعلا الوصف العالي الشأن، والكمال المطلق، والتنزه عن صفات المخلوقين {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي العزيزُ في ملكه، الحكيمُ في تدبيره ثم أخبر تعالى عن حلمه بالعباد مع ظلمهم فقال {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} أي لو يؤاخذهم بكفرهم ومعاصيهم ويعاجلهم بالعقوبة {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} أي ما ترك على الأرض أحداً يدبُّ على ظهرها من إنسانٍ وحيوان {ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} أي ولكنْ يؤخرهم إلى وقتٍ معيَّن تقتضيه الحكمة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أي فإذا جاء الوقت المحدَّد لهلاكهم لا يتأخرون برهةً يسيرةً من الزمن ولا يتقدمون عليها كقوله
{وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً}[الكهف: ٥٩]{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} أي يجعلون له تعالى البنات مع كراهتهم لهنَّ، وهو تأكيد لما سبق للتقريع والتوبيخ {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب أَنَّ لَهُمُ الحسنى} أي يجعلون لله ما يجعلون ومع ذلك يزعمون أنَّ لهم العاقبة الحسنى عند الله وأنهم أهل الجنة {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار} أي حقاً إِنَّ لهم مكان ما أملّوا نار جهنم التي ليس وراء عذابها عذاب {وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} أي معجَّلون إِليها ومُقدَّمون، ثم ذكر تعالى نعمته في إِرسال الرسل ليتأسى صلوات الله عليه بهم في الصبر على تحمل الأذى فقال {تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} أي والله لقد بعثنا قبلك يا محمد رسلاً إلى أقوامهم فحسَّن الشيطان أعمالهم القبيحة حتى كذبوا الرسل وردّوا عليهم ما جاءوهم به من البينات {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} أي فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا وبئس الناصر {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي ولهم في الآخرة عذاب مؤلم {وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ} أي ما أنزلنا عليك القرآن يا محمد إلا لتبيِّن للناس ما اختلفوا فيه من الدين والأحكام لتقوم الحجة عليهم {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي وأنزلنا القرآن هدايةً للقلوب، ورحمة وشفاءً لمن آمن به، ثم ذكر تعالى عظيم قدرته الدالة على وحدانيته فقال {والله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ} أي أنزل بقدرته الماء من السحاب فأحيا بذلك الماء النبات والزرع بعد جدب الأرض ويُبسها {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي إِن في هذا الإِحياء لدلالةً باهرة على عظيم قدرته لقوم يسمعون التذكير فيتدبرونه ويعقلونه {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً} أي وإنَّ لكم أيها الناس في هذه الأنعام «الإِبل والبقر والضأن والمعز» لعظةً وعبرة يعتبر بها العقلاء، ففي خلقها وتسخيرها دلالة على قدرة الله وعظمته ووحدانيته {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} أي نسقيكم من بعض الذي في بطون هذه الأنعام {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً} أي من بين الروث والدم ذلك الحليب الخالص واللبن النافع {