يطهرهم من رجس الشرك {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} العزيز الذي لا يُقهر ولا يُغلب، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
البَلاَغَة: ١ - التعرض لعنوان الربوبية {ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} تشريف له عليه السلام وإِيذان بأن ذلك الابتلاء تربية له وترشيح لأمر خطير، والمعنى عامله سبحانه معاملة المختبر حيث كلفه بأوامر ونواهي يظهر بها استحقاقه للإِمامة العظمى.
٢ - إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل في قوله {آمِناً} للمبالغة والإِسناد مجازيٌ أي آمناً من دخله كقوله تعالى {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: ٩٨] وخيرُ ما فسرته بالوارد.
٣ - إِضافة البيت إِلى ضمير الجلالة {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: ٢٦] للتشريف والتعظيم.
٤ - قوله تعالى {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ} ورد التعبير بصيغة المضارع حكاية عن الماضي ولذلك وجه معروف في محاسن البيان وهو استحضار الصورة الماضية وكأنها مشاهدة بالعيان فكأنَّ السامع ينظر ويرى إِلى البنيان وهو يرتفع والبنّاء هو إِبراهيم وإِسماعيل عليهما السلام قال أبو السعود: وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة.
٥ - {التواب الرحيم} صيغتان من صيغ المبالغة لأن فعال وفعيل من صيغ المبالغة.
الفوَائِد: الفائدة الأولى: تقديم المفعول في قوله {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} واجب لاتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول، فلو قُدّم الفاعل لزم عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً قال ابن مالك:
وشاعَ نحو خاف ربَّه عمر وشضّ نحو زان نورهُ الشجر
الثانية: الاختبار في الأصل الامتحان بالشيء ليعلم صدق ذلك الشخص أو كذبه وهو مستحيل على الله لأنه عالم بذلك قبل الاختبار، فالمراد أنه عامله معاملة المختبر ليظهر ذلك للخلق.
الثالثة: اختلف المفسرون في الكلمات التي اختبر الله بها إِبراهيم عليه السلام وأصح هذه الأقوال ما روي عن ابن عباس أنه قال: «الكلمات التي ابتلى الله بهن إِبراهيم فأتمهن: فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجة نمرود في الله، وصبره على قذفهم إِياه في النار ليحرفوه، والهجرة من وطنه حين أمر بالخروج عنهم، وما ابتلى به من ذبح ابنه حين أمر بذبحه» .
الرابعة: المراد من الإِمامة في الآية الكريمة «الإِمامة في الدين» وهي النبوة التي حرمها الظالمون، ولو كانت الإِمامة الدنيوية لخالف ذلك الواقع إِذ نالها كثير من الظالمين، فظهر أن المراد الإِمامة في الدين خاصة.
الخامسة: ذكر العلامة ابن القيم أن السرَّ في تفضيل البيت العتيق ظاهر في انجذاب الأفئدة، وهوى القلوب ومحبتها له، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد، فهم يثوبون إِليه من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطراً، بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقاً.