للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ} أي فمنهم من يزحف على بطنه كالحية والزواحف {وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ} كالإِنسان والطير {وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} كالأنعام وسائر الدواب قال أبو حيان: قدم ما هو أظهر في القدرة وأعجب وهو الماشي بغير آلة من رجل وقوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع {يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ} أي يخلق تعالى بقدرته ما يشاء من المخلوقات {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أو هو قادر على ما يشاء لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع قال الفخر: واعلم أنَّ العقول قاصرة عن الإِحاطة بأحوال أصغر الحيوانات على الكمال، والاستدلال بها على الصانع ظاهرٌ، لأنه لو كا الأمر بتركيب الطبائع الأربع لكان في الكل على لاسويّة، فاختصاص كل واحدٍ من هذه الحيوانات بأعضائها وأعمارها ومقادير أبدانها لا بدَّ وأن يكون بتدبير قاهرٍ حكيم، سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون {لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} أي لقد أنزلنا إليكم أيها الناس آياتٍ واضحاتٍ، دالات على طريق الحق والرشاد {والله يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي يرشد من يشاء من خلقه إلى الدين الحق وهو الإِسلام، ولما ذكر دلائل التوحيد حذَّر من النفاق والمنافقين فقال {وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا} أي يقول المنافقون صدقنا بالله وبالرسول وأطعنا الله ورسوله {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} أي ثم يعرض جماعة منهم عن قبول حكمه {مِّن بَعْدِ ذلك} أي من بعدما صدر منهم ما صدر من دعوى الإِيمان {وَمَآ أولئك بالمؤمنين} أي وليس أولئك الذين يدعون الإِيمان والطاعة بمؤمنين على الحقيقة قال الحسن: نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإِيمان ويسرون الكفر {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} أي وإذا دعوا إلى حكم حكم الله أو حكم رسوله {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ} أي استنكفوا وأعرضوا عن الحضور إلى مجلس الرسول {وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي وإن كان الحقُّ بجانبهم جاءوا إلأى رسول الله طائعين منقادين لعلمهم أنه عليه السلام يحكم بالحقِّ قال الفخر: نبّه تعالى على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا أن الحق لغيرهم؛ أما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا على الإِعراض وأذعنوا ببذل الرضا {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا} أي هل في قلوبهم نفاقٌ؟ أم شكوا في نبوته عليه السلام؟ {أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي أم يخافون أن يظلمهم رسول الله في الحكم، والاستفهام للمبالغة في التوبيخ والذم كقول الشاعر:

ألستَ من القوم الذين تعاهدوا ... على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر

{بَلْ أولئك هُمُ الظالمون} أي بل هم الكاملون في الظلم والعناد لإِعراضهم عن حكم رسول الله {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أن كان الواجب عليهم عندما يُدعون إلى رسول الله للفصل بينهم وبين خصومهم أن يسرعوا ويقولوا سمعاً وطاعة، فلو كان هؤلاء مؤمنين لفعلوا ذلك قال الطبري: ولم يقصد به الخبر ولكنه تأنيبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>