للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَبَبُ النّزول: عن البراء قال: لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء} الآية فقال السفهاء من الناس - وهم اليهود - ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قال تعالى {قُل للَّهِ المشرق والمغرب} إِلى آخر الآية، أخرجه البخاري.

التفسِير: {سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس} أي سيقول ضعفاء العقول من الناس {مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا} أي ما صرفهم وحوّلهم عن القبلة التي كانوا يصلون إِليها وهي بيت المقدس، قبلة المرسلين من قبلهم؟ {قُل للَّهِ المشرق والمغرب} أي قل لهم يا محمد الجهات كلها لله له المشرق والمغرب فأينما ولينا وجوهنا فهناك وجه الله {يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي يهدي عباده المؤمنين إِلى الطريق القويم الموصل لسعادة الدارين {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي كما هديناكم إِلى الإِسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين أمة عدولاً خياراً {لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً} أي لتشهدوا على الأمم يوم القامة أن رسلهم بلّغتهم، ويشهد عليكم الرسول أنه بلغكم {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ} أي وما أمرناك بالتوجه إِلى بيت المقدس ثم صرفناك عنها إِلى الكعبة {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ} أي إِِلا لنختبر إِيمان الناس فنعلم من يصدّق الرسول، ممن يشكّك في الدين ويرجع إِلى الكفر لضعف يقينه {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله} أي وإِن كان هذا التحويل لشاقاً وصعباً إِلاّ على الذين هداهم الله {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي ما صحَّ ولا استقام أن يضيع الله صلاتكم إِلى بيت المقدس بل يثيبكم عليها، وذلك حين سألوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عمن مات وهو يصلي إِلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فنزلت، وقوله تعالى {إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} تعليل للحكم أي أنه تعالى عظيم الرحمة بعباده لا يضيع أعمالهم الصالحة التي فعلوها {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء} لأنه كثيراً ما رأينا تردّد بصرك يا محمد جهة السماء تشوقاً لتحويل القبلة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} أي فلنوجهنك إِلى قبلةٍ تحبها، - وهي الكعبة - قبلة أبيك إِبراهيم {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} أي توجه في صلاتك نحو الكعبة المعظمة {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} أي وحيثما كنتم أيها المؤمنون فتوجهوا في صلاتكم نحو الكعبة أيضاً {وَإِنَّ الذين أُوتُواْ الكتاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ} أي إِن اليهود والنصارى ليعلمون أن هذا التحويل للقبلة حقٌ من عند الله ولكنهم يفتنون الناس بإِلقاء الشبهات {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها، وفيه وعيد وتهديد لهم.

البَلاَغة: ١ - في قوله {يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ} استعارة تمثيلية حيث مثَّل لمن يرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه أفاده الإِمام الفخر.

٢ - {لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} الرأفة: شدة الرحمة وقدّم الأبلغ مراعاة للفاصلة وهي الميم في قوله {صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقوله {رَءُوفٌ رَّحِيم} وكلاهما من صيغ المبالغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>