هو «آصف بن برخيا» كان من الصِّدقين يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وهو الذي أتى بعرش بلقيس وقال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك أي آتيك به بلمح البصر فدعا الله فحضر العرشُ حالاً {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي} أي فلما نظر سليمان ورأى العرش - السرير - حاضراً لديه قال: هذا من فضل الله عليَّ، وإِحسانه إليَّ {ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} ؟ أي ليختبرني أأشكر إنعامه، أم أجحد فضله وإِحسانه؟ {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي ومن شكر فمنفعة الشكر لنفسه، لأنه يستزيد من فضل الله
{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: ٧]{وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي ومن لم يشكر وجحد فضل الله فإِن الله مستغنٍ عنه وعن شكره، كريمٌ بالإِنعام على من كفر نعمته. . ولما قرُب وصولُ ملكة سبأ إلى بلاده أمر بأن تُغيَّر بعضُ معالم عرشها امتحاناً لها {قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} أي غيّروا بعض أوصافه وهيئته كما يتنكر الإِنسان حتى لا يُعرف {نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} أي لننظر إذا رأته هل تهتدي إلى أنه عرشها وتعرفه أم لا؟ أراد بذلك اختبار ذكائها وعقلها {فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} ؟ أي أمثل هذا العرش الذي رأيتيه عرشك؟ ولم يقل: أهذا عرشك؟ رئلا يكون تلقيناً لها {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} أي يشبهه ويقاربه ولم تقل: نعم هو، ولا ليس هو قال ابن كثير: وهذا غاية في الذكاء والحزم {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} هذا من قول سليمان أي قال سليمان تحدثاً بنعمة الله: لقد أوتينا العلم من قبل هذه المرأة بالله وبقدرته وكنا مسلمين لله من قبلها، فنحن أسبقُ منها علماً وإِسلاماً {وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} أي منعها عن الإِيمان بالله عبادتُها القديمة للشمس والقمر {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} أي بسبب كفرها ونشوئها بين قوم مشركين {قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح} أي ادخلي القصر العظيم الفخم {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} أي فلما رأت ذلك الصرح الشامخ ظنته لجة ماء - أي ماءً غمراً كثيراً - وكشفت عن ساقيها لتخوض فيه {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} أي قال سليمان: إنه قصر مملَّس من الزجاج الصافي {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} أي قالت بلقيس حينئذٍ: ربّ إني ظلمت نفسي بالشرك وعبادة الشمس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين} أي وتابعتُ سليمان على دينة فدخلت في الإِسلام مؤمنةً برب العالمين، قال ابن كثير: والغرضُ أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج لهذه الملكة، ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله وجلاله ما هو فيه وتبصرت في أمره، انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبيٌ كريم، وملِكٌ عظيم، وأسلمت لله عَزَّ وَجَلَّ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي: