للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعي به لما رآه في مجلس الرشيد عند الاتهام، ولأن العلم رحم بين أهله؛ قال الشافعى مخاطبًا الرشيد: " إن لي حظًا من العلم، وإن القاضي محمد بن الحسن يعرف ذلك "، فسأل الرشيد محمدًا، فقال: " له من العلم حظ كبير، وليس الذي وقع عليه من شأنه "، وكانت تلك الشهادة من الإمام محمد بن الحسن رحمه الله سببًا في نجاة الشافعي، وتبرئته من الاتهام الكاذب (١).

(ولما وقعت المناظرة لشيخ الإسلام ابن تيمية مع الشافعية، وبحث مع الصفي الهندي، ثم ابن الزملكاني، بالقصر الأبلح، شرع الإمام أبو الحجاج المزي رحمه الله يقرأ كتاب " خلق أفعال العباد " للبخاري، وفيه فصل في الرد على الجهمية، فغضب بعض الفقهاء، وقالوا: " نحن المقصودون بهذا "، فبلغ ذلك القاضي الشافعي يومئذ، فأمر بسجنه، فتوجَّه ابن تيمية وأخرجه من السجن، فغضب النائب، فاعيد، ثم أفرِج عنه) (٢).

وتكلم الامام المحقق ابن قيم الجوزية حول درجة " الفتوة " ثم قال رحمه الله: (ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي؛ فلينظر إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الناس يجدها هذه بعينها، ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه، ثم للورثة منها بحسب سهامهم من التركة، وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله رُوحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: " وددت أني لأصحابي مثلُه لأعدائه وخصومه "، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.

وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذىً له، فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال:


(١) " تاريخ المذاهب الإسلامية " (١/ ٢٣٤).
(٢) " الدرر الكامنة " (٥/ ٢٣٤)، ت (٥١٢٢).

<<  <   >  >>