للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر خلافة ذى النورين أبى عمرو عثمان بن عفان أمير المؤمنين، رضى الله عنه ومبايعة أهل الشورى له بعد وفاة عمر، رضى الله عنه

ولما مضى عمر، رحمه الله، لسبيله، تفاوض أهل الشورى فيما بينهم ثلاثا بعد وفاته، وانصرف أمر جميعهم إلى عبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنه، فباثع لعثمان، رحمه الله، فبايعه بقية أهل الشورى، وكافة الصحابة، رضى الله عن جميعهم، وذلك يوم السبت غرة المحرم من سنة أربع وعشرين.

وذكر سيف «١» بإسناد له، أنه لما بايع أهل الشورى عثمان، رحمه الله، خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر النبى صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنكم فى دار قلعة، وفى بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: ٣٣] ، اعتبروا بمن مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آيروها وعمروها ومتعوا بها طويلا، ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة، فإن الله ضرب لها مثلها، والذى هو خير، فقال: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: ٤٤، ٤٥] .

وذكر سيف «٢» أن أول كتاب كتبه عثمان، رضى الله عنه، إلى عماله:

أما بعد، فإن الله عز وجل أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم فى أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا فى أمور الناس وفيما عليهم، فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم،


(١) انظر: الطبرى (٤/ ٢٤٣) .
(٢) انظر: الطبرى (٤/ ٢٤٤، ٢٤٥) .