ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفد بنى فزارة، بضعة عشر رجلا، فيهم خارجة بن حصن، والحر بن قيس بن حصن ابن أخى عيينة بن حصن، وهو أصغرهم، فنزلوا فى دار زينب بنت الحارث، وجاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام، وهم مستنون على وكاف عجاف، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله، أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربك يغثنا، واشفع لنا إلى ربك، وليشفع لنا ربك إليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سبحان الله ويلك، هذا أنا شفعت إلى ربى عز وجل، فمن ذا الذى يشفع ربنا إليه؟ لا إله إلا هو العلى العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، فهى تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله جل وعز ليضحك من شفعكم، وأزلكم، وقرب غياثكم» .
فقال الأعرابى: يا رسول الله، ويضحك ربنا عز وجل؟ قال:«نعم» ، قال الأعرابى:
لن نعدمك من رب يضحك خير، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم من قوله، وصعد المنبر، فتكلم بكلمات، وكان لا يرفع يديه فى شىء من الدعاء إلا فى الاستسقاء، فرفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه:«اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحى بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مربعا طيبا، واسعا عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء» .
فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصارى، فقال: يا رسول الله، التمر فى المربد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اسقنا» ، فعاد أبو لبابة لقوله، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعائه، فعاد أيضا أبو لبابة لقوله، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعائه، فعاد أيضا أبو لبابة، فقال: التمر فى المربد يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره» ، قالوا: ولا والله ما فى السماء سحاب ولا قزعة، وما بين المسجد وبين سلع من شجر ولا دار، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس، فلما توسطت
(١) راجع: المنتظم لابن الجوزى (٤/ ٣٥٣) ، طبقات ابن سعد (١/ ٢/ ٥٩) ، البداية والنهاية (٥/ ٧٩) .