للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنة أحسن من هذا» «١» . ثم قدم خالد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته، فقال رجل من طيىء يقال له: بجير ابن يجرة، يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تبارك سائق البقرات إنى ... رأيت الله يهدى كل هادى

فمن يك حائدا عن ذى تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد «٢»

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة.

وكان فى الطريق ماء يخرج من وشل يروى الراكب والراكبين والثلاثة، بواد يقال له: وادى المشقق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه شيئا، حتى نأتيه» ، فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا، فقال: «من سبقنا إلى هذا؟» فقيل: يا رسول الله فلان وفلان، فقال:

«أو لم أنهكم أن تستقوا منه شيئا حتى آتيه؟» ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب فى يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسحه بيده ودعا بما شاء الله أن يدعو به، فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما إن حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيتم أو من بقى منكم لتسمعن بهذا الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه» «٣» .

ومات فى هذه الغزوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله ذو البجادين المزنى، وإنما سمى ذا البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه فى بجاد ليس عليه غيره، والبجاد: الكساء الغليظ الجافى، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد، واشتمل بالآخر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ذو البجادين لذلك «٤» .


(١) انظر الحديث فى: صحيح مسلم (٤/ ١٩١٦/ ١٢٧) ، سنن النسائى (٧/ ٥٧١٥) ، مسند الإمام أحمد (٣/ ١١١) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (٢/ ١٦٦) ، دلائل النبوة للبيهقى (٤٥/ ٢٥٠، ٢٥١) .
(٢) انظر الأبيات فى: السيرة (٤/ ١٥٢) .
(٣) انظر الحديث فى: موطأ مالك (١/ ٢/ ١٤٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥/ ١٨) ، صحيح مسلم (٤/ ١٠/ ١٧٨٤، ١٧٨٥) .
(٤) انظر: السيرة (٤/ ١٥٤) .