وكان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين ومحن به المنافقين ممن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر فى قلبه، وأكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته.
وكان مما أنزل الله- تبارك وتعالى- من القرآن فى شأن أحد ستون آية من آل عمران فى طاعة من أطاع، ونفاق من نافق، وصفة ما كان فى يومهم، وتعزية المؤمنين فى مصيبتهم ومعاتبة من عاتب منهم.
يقول الله تبارك وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أى سميع لما يقولون عليم بما يخفون.
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا أى تتخاذلا. والطائفتان: بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان، يقول الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما أى المدافع عنهما ما همتا به من ذلك برحمته وعائذته حتى سلمتا ولحقتا بنبيهما. وقيل: إنه لما أنزل الله- تعالى- فى هاتين الطائفتين قالتا: ما نحب أنا لم نهم بما هممنا لتولى الله إيانا فى ذلك.
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، أى من كان به ضعف من المؤمنين فليتوكل على وليستعن بى أعنه على أمره وأدفع عنه حتى أبلغ به وأقويه على نيته.
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أقل عددا وأضعف قوة فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أى فاتقونى فإنه شكر نعمتى.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، أى إن تصبروا لعدوى وتطيعوا أمر ويأتوكم من وجههم هذا أمددكم بهذا العدد من الملائكة مسومين أى معلمين.
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، أى ما سميت لكم من سميته من جنود ملائكتى إلا لتستبشروا بذلك وتطمئن قلوبكم إليه، لما أعرف من ضعفكم، وما النصر إلا من عند الله لسلطانى وقدرتى، وذلك أن العزة والحكم لى لا إلى أحد من خلقى.
ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ