للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشام، فسلكوا طريق العراق، فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب، ومعه فضة كثيرة وهى عظم تجارتهم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على القردة- ماء من مياه نجد- فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فذلك الذى يعنى حسان بن ثابت بقوله فى غزوة بدر الآخره يؤنب قريشا فى أخذهم تلك الطريق:

دعو فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك «١»

بأيدى رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقا وأيدى الملائك

إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك «٢»

[مقتل كعب بن الأشرف]

ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بشيرين إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عليه وقتل من قتل من المشركين ببدر، قال كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيىء، ثم أحد بنى نبهان، وأمه من بنى النضير، حين بلغه هذا الخبر:

أحق هذا؟ أترون أن محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان؟ فهؤلاء اشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير لى من ظهرها.

فلما تبين عدو الله الخبر، خرج حتى قدم مكة، فجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار، ويبكى أصحاب القليب من قريش، ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لى من ابن الأشراف؟ فقال له محمد بن مسلمة الأشهلى:

أنا لك به يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أقتله قال: فافعل إن قدرت على ذلك.

فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: لم تركت الطعام والشراب؟ فقال يا رسول الله،


(١) الفلجات: العيون الجارية. والمخاض: الإبل الحوامل. والأوارك: الإبل التى ترعى الآراك، وهو شجر السواك.
(٢) الغور: الأرض المنخفضة. وبطن عالج: أى موضع كثير الرمل.