للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الحج: ٥٢، ٥٤] .

فلما بين الله قضاءه فبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين فاشتدوا عليهم. فلهذا الذى ذكره ابن عقبة لم يستطع أحد ممن رجع من أرض الحبشة أن يدخل مكة إلا بجوار أو مستخفيا، كما ذكر ابن إسحاق.

قال: فكان جميع من قدم مكة منهم ثلاثة وثلاثين رجلا، دخل منهم بجوار، فيمن سمى لنا: عثمان بن مظعون الجمحى، دخل بجوار من الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبد الأسد بجوار خاله أبى طالب.

فأما عثمان «١» فإنه لما رأى ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يغدو ويروح فى أمان الوليد، قال: والله إن غدوى ورواحى آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابى وأهل دينى يلقون من البلاء والأذى فى الله ما لا يصيا بنى لنقص كبير فى نفسى.

فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك وقد رددت إليك جوارك، قال: لم يا ابن أخى؟ لعله آذاك أحد من قومى؟ قال: لا ولكنى أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فرد على جوارى علانية كما أجرتك علانية.

فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان جاء يرد على جوارى. قال:

صدق، قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكنى أحببت أن لا أستجير بغير الله. ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة فى مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد «٢» :


(١) هو: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص القرشى الجمحى، يكنى أبا السائب، وأمه سخيلة بنت العنبس بن أهبان بن حذافة بن جمح، وهى أم السائب وعبد الله. انظر ترجمته فى: الاستيعاب (٣/ ١٦٥) الترجمة رقم (١٧٩٨) .
(٢) هو: لبيد أبى ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامرى، ويكنى لبيد بن عقيل وكان من شعراء الجاهلية وأدرك لبيد الإسلام وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى كلاب فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم. انظر ترجمته فى: الشعر والشعراء (ص ٦٩) .