قال: وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارة بمثل الذى يذكر به آلهتنا من الشتم والشر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالتهم وكان يتمنى هداهم فلما أنزل الله تعالى سورة «النجم» قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: ١٩، ٢٠] ، ألقى الشيطان عندها على لسانه كلمات حين ذكر الطواغيت فقال: وإنهم لمن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهى التى ترتجى «١» .
كان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان فى قلب كل مشرك بمكة وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين أبائه. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر «والنجم» سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا، فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه.
فعجب الفريقان كلاهما من اجتماعهم فى السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذى ألقى الشيطان على ألسنة المشركين.
وأما المشركون فاطمأنت نفوسهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما ألقى الشيطان فى أمنية النبى صلى الله عليه وسلم فسجدوا لتعظيم آلهتهم.
وفشت تلك الكلمة فى الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين، عثمان بن مظعون وأصحابه، وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه، وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة. فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته، وقال عز من قائل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ
(١) ذكره البيهقى فى دلائل النبوة (٢/ ٦٦) ، وأشار إلى أن هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وقد جرح رواتها. وذكره القاضى عياض فى الشفاء (٢/ ١١٦- ١٢٣) وقال: يكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب روايته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلمته.