أخا صداء، هل معك ماء؟» قلت: معى شىء فى إداوتى. فقال:«هاته» فجئت به، فقال:
«صب» ، فصببت ما فى الإداوة فى القعب، وجعل أصحابه يتلاحقون، ثم وضع كفه على الإناء، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور، ثم قال:«يا أخا صداء، لولا انى أستحى من ربى لسقينا واستقينا» ، ثم توضأ، وقال:«أذن فى صحابى. من كانت له حاجة بالوضوء فليرد» . قال: فوردوا من آخرهم، ثم جاء بلال يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم» ، فأقمت، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، وكنت سألته قبل أن يؤمرنى على قومى ويكتب لى بذلك كتابا، ففعل، فلما سلم يريد من صلاته قام رجل يتشكى من عامله، فقال: يا رسول الله، إنه أخذنا بدخول كانت بيننا وبينه فى الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا خير فى الإمارة لرجل مسلم، ثم قام رجل فقال: يا رسول الله، أعطنى من الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب، ولا نبى مرسل، حتى جزأها على ثمانية أجزاء، فإن كانت جزآ منها أعطيتك، وإن كنت عنها غنيا فإنما هو صداع فى الرأس وداء فى البطن» .
فقلت فى نفسى: هاتان خصلتان حين سألت الإمارة وأنا رجل مسلم وسألته من الصدقة وأنا غنى عنها، فقلت: يا رسول الله، هذان كتاباك فاقبلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ولم؟» قلت: إنى سمعتك تقول: «لا خير فى الإمارة لرجل مسلم وأنا مسلم» ، وسمعتك تقول:«من سأل من الصدقة وهو عنها غنى فإنما هى صداع فى الرأس وداء البطن» ، وأنا غنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما إن الذى قلت كما قلت لك» ، فقتلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: دلنى على رجل من قومك استعمله، فدللته على رجل فاستعمله، قلت: يا رسول الله، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها، وإذا كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه، والإسلام اليوم فينا قليل، ونحن نخاف، فادع الله عز وجل لنا فى بئرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ناولنى سبع حصيات» ، فناولته فعركهن بيده، ثم دفعهن إلى، وقال:«إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة وسم الله» . قال: ففعلت، فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة «١» .
***
(١) انظر الحديث فى: المعجم الكبير للطبرانى (٥/ ٣٠٣) ، طبقات ابن سعد (١/ ٢/ ٦٣) ، دلائل النبوة للبيهقى (٥/ ٣٥٥) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٧٠٧٥) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٥/ ٢٠٣) .