للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلى. فكان صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود فيقف به على بابه ثم يقول: يا بنى عبد مناف أى جوار هذا؟! ثم يلقيه فى الطريق «١» .

قال ابن إسحاق «٢» : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا فى عام واحد، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة، وكانت له وزير صدق على الإسلام، يسكن إليها، وبمهلك أبى طالب عمه، وكان له عضدا وحرزا فى أمره ومنعة وناصرا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين.

فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به فى حياة أبى طالب، حتى اعترضاه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهى تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: «لا تبكى يا بنية، فإن الله مانع أباك.

ويقول بين ذلك: ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» «٣» .

قال: ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشا ثقله قال بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد فى قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبى طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه ولنعطه منا فإنا والله ما نأمن أن يبتزونا «٤» أمرنا.

فمشوا إلى إبى طالب فكلموه، وهم أشراف قومه، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل ابن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب فى رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك، وقد علمت الذى بيننا وبين ابن أخيك، فادعه وخذ له منا وخذ لنا منه ليكف عنا ونكف عنه وليدعنا وديننا وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب فجاء فقال: يا ابن أخى، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم. فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات، قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه.


(١) انظر الحديث فى: طبقات ابن سعد (١/ ٢٠١) ، تاريخ الطبرى (١/ ٥٥٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ١٣٤، ١٣٥) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٢٧) .
(٣) انظر الحديث فى: تاريخ الطبرى (١/ ٥٥٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ١٢٢) .
(٤) يبتزونا: البز هو السلب ومعناه يسلبوننا إياه ويغلوبننا عليه.