قلت لك قولا لا أدرى هل أفين لك به أم لا. قال: إنما عليك الجهد، قال: يا رسول الله، لا بد لنا من أن نقول. قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم فى حل من ذلك.
فاجتمع فى قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة أبو نائلة، وعباد بن بشر والحارث بن أوس، وكلهم من بنى عبد الأشهل، وأبو عبس بن جبر أخو بنى حارثة، ثم قدموا إلى عدو الله ابن الأشرف سلكان بن سلامة وكان أخاه من الرضاعة، فجاءه فتحدث معه ساعة ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف! إنى قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عنى، قال: أفعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس. فقال كعب: أنا ابن الأشرف! أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول. فقال له سلكان: إنى قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك. قال: أترهنونى نساءكم؟ قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم. قال: أترهنونى أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، يسب ابن أحدنا فيقال: رهن فى وسق شعير! ثم قال له: إن معى أصحابا لى على مثل رأيى وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن فى ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤا بها. قال: إن فى الحلقة لوفاء.
فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معهم صلوات الله عليه إلى بقيع الغرقد فى ليلة مقمرة، ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم. ثم رجع إلى بيته.
فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب فى ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إنك امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون هذه الساعة. قال: إنه أبو نائلة لو وجدنى نائما ما أيقظنى. فقالت: والله إنى لأعرف فى صوته الشر. فقال لها كعب: لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب!
فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه، فقالوا له: هل لك يا ابن الأشرف إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه. قال: إن شئتم.
فخرجوا يتماشون، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده فى فود رأسه ثم شم يده، فقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها، حتى اطمأن، ثم مشى ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه.