وذكر الواقدى أيضا بإسناد له، أن رجلا من قضاعة يقال له: أبو الشموس؛ حدث عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو خليفة حديث قصى بن كلاب، وكيف استعان بإخوته على خزاعة، فاستمع له عمر وتعجب لأول الحديث وقال: ذكرتنا أمرا كان دثر منا، فالحمد لله رب العالمين، إن الله عز وجل ليصنع لهذا الحى من قريش، وهم أولى الناس أن يتقوا الله وتحسن سيرة من ولى منهم، بصنع الله لهم، جعل فيهم الإمامة وقبل ذلك النبوة.
قالوا: فلما كبر قصى ورق، وكان عبد الدار بكره، وكان عبد مناف قد شرف فى زمان أبيه وذهب كل مذهب، وعبد العزى وعبد، قال قصى لعبد الدار: أما والله يا بنى لألحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك.
لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له، ولا يعقد لقريش لواء إلا أنت بيدك، ولا يشرب رجل بمكة إلا من سقايتك، ولا يأكل أحد من أهل الحرم طعاما إلا من طعامك، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا فى دارك.
فأعطاه دار الندوة التى لا تقضى قريش أمرا من أمورها إلا فيها، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة.
وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش فى كل موسم من أموالها إلى قصى بن كلاب، فيصنع به طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد «١» .
وذلك أن قصيا فرضها على قريش، فقال لهم حين أمرهم به: يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم» .
ففعلوا، فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه، فيصنعه طعاما للناس أيام منى، فجرى ذلك من أمره فى الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام، ثم جرى فى الإسلام إلى يومنا هذا، فهو الطعام الذى يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضى الحج.
فمضى أمر قصى فى عبد الدار ابنه، وجعل إليه كل ما كان بيده من أمر قومه؛ وكان قصى لا يخالف ولا يرد عليه شىء صنعه.