للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: أى قوم، هذا والله خير لكم مما جئتم له.

فيأخذ أبو الحيسر جفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال: دعنا منك، فلعمرى لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج «١» .

ثم لم يلبث إياس أن هلك، فأخبر من حضر من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام فى ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع.

[بدء إسلام الأنصار وذكر العقبة الأولى]

قال ابن إسحاق «٢» : فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعوده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الموسم الذى لقى فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، فقال لهم: «من أنتم؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالى يهود؟» قالوا: نعم، قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟» قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.

وكان مما صنع الله به فى الإسلام أن يهود كانوا معهم فى بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكان قد عزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شىء قالوا لهم: «إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم» .

فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبى الذى توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه.


(١) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (٥/ ٤٢٧) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ٤٢٠، ٤٢١) ، المستدرك للحاكم (٣/ ١٨٠، ١٨١) .
(٢) انظر: السيرة (٢/ ٣٨) .