للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، وكانوا أهل بيت إسلام، إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيما بلغنى:

«صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» «١» . فأما أمه فقتلوها وهى تأبى إلا الإسلام.

وكان أبو جهل الفاسق الذى يغرى بهم، فى رجال من قريش، إذا سمع بالرجل له شرف ومنعة قد أسلم أنبه وأخزاه فقال: تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفهن حلمك ولنفيلن رأيك ولنضعن شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك. وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به.

وقال سعيد بن جبير لعبد الله بن عباس «٢» : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به فى ترك دينهم؟ قال: نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوى جالسا من شدة الضر الذى به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم. حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له: أهذا الجعل إلهك من دون الله؟

فيقول: نعم. افتداء منهم مما يلغون من جهده «٣» .

[ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة]

قال ابن إسحاق «٤» : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد،


(١) انظر الحديث فى: مستدرك الحاكم (٣/ ٣٨٣) ، المطالب العالية لابن حجر (٤٠٣٤) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٧٣٦٦، ٣٧٣٦٨) ، حلية الأولياء لأبى نعيم (١/ ١٤٠) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٥٩) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٢٦٥) .
(٣) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣/ ١٧١) . وقال: وفى مثل هذا أنزل الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ الآية، فهؤلاء كانوا معذورين بما حصل لهم من الإهانة والعذاب البليغ، أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته.
(٤) انظر: السيرة (١/ ٢٦٦- ٢٦٨) .