للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتمعوا فى الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه!.

فبيناهم فى ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذى تقول كذا وكذا، للذى يقول من عيب آلهتهم. فيقول رسول الله:

«نعم أنا الذى أقول ذلك» . فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكى ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله!! ثم انصرفوا عنه. فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط «١» .

[ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه]

قال ابن إسحاق «٢» : وحدثنى رجل من أسلم، كان واعية، أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينة والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومولاة لعبد الله بن جدعان فى مسكن لها تسمع ذلك. ثم انصرف عنه فعمد إلى نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم. فلم يلبث حمزة ابن عبد المطلب أن أقبل متوحشا قوسه راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى فى قريش وأشده شكيمة.

فلما مر بالمولاة، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفا من أبى الحكم بن هشام! وجده ها هنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد. فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى لم يقف على أحد، معدا لأبى جهل إذا لقيه أن يقع به.

فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا فى القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه بها شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه، فأنا على دينه أقول ما يقول، فرد على إن استطعت. فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل،


(١) انظر الحديث فى: دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ٢٧٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٧/ ٦٦) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦/ ١٥) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٢٤٠) .