للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان عبد الله بن مسعود يحدث قال: قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار فى ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول: أدليا إلى أخاكما فدلياه، فلما هيأه لشقه قال: «اللهم إنى قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه» يقول عبد الله ابن مسعود: يا ليتنى كنت صاحب الحفرة! «١» .

وقال أبو رهم الغفارى، وكان ممن بايع تحت الشجرة: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فسرت ذات ليلة معه قريبا منه وألقى علينا النعاس، فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتى من راحلته عليه السلام فيفزعنى دنوها منه مخافة أن أصيب رجله فى الغرز فما استيقظت إلا لقوله: حس، فقلت: يا رسول الله استغفر لى: قال: «سر» . فجعل يسألنى عمن تخلف من بنى غفار فأخبره به، فقال وهو يسألنى: «ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط» «٢» ، فحدثته بتخلفهم، قال: «فما فعل النفر السود الجعاد القصار؟» قلت: والله ما أعرف هؤلاء منا. قال: «بلى، الذين هم نعم بشبكة شدخ» ، فتذكرتهم فى بنى غفار، فلم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا، فقلت:

يا رسول الله، أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرء نشيطا فى سبيل الله؟! إن أعز أهلى علىّ أن يتخلف عنى المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم» «٣» .

قال ابن إسحاق «٤» : ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذى أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه، فقال: «إنى على جناح سفر، وحال شغل» . أو كما قال صلى الله عليه وسلم: «ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه» ، فلما نزل بذى أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم، أخا بنى سالم بن عوف، ومعن بن


(١) انظر الحديث فى: مجمع الزوائد للهيثمى (٩/ ٣٦٩) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥/ ١٨) .
(٢) الثطاط: جمع ثط، وهو قليل شعر اللحية والحاجبين.
(٣) انظر الحديث فى: الطبقات الكبرى لابن سعد (٤/ ١٨٠) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦/ ١٩٢) ، مسند الإمام أحمد (٤/ ٣٥٠) .
(٤) انظر: السيرة (٤/ ١٥٥- ١٥٦) .