للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين ما بى من بأس، ولكنى كنت فيمن حضر خبيب بن عدى حين قتل وسمعت دعوته، فو الله ما خطرت على قلبى وأنا فى مجلس قط إلا وغشى على فزادته عند عمر خيرا.

وذكر ابن عقبة أن خبيبا وزيدا قتلا فى يوم واحد، قال: وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس فى ذلك اليوم الذى قتلا فيه: «وعليكما أو وعليك السلام، خبيب قتلته قريش» ، لا ندرى أذكر ابن الدثنة معه أم لا.

وقال خبيب- رحمه الله- لما اجتمع القوم لصلبه:

لقد جمع الأحزاب حولى وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع «١»

وكلهم مبدى العداوة جاهد ... علىّ لأنى فى وثاق بمضيع

وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع

إلى الله أشكو غربتى ثم كربتى ... وما أرصد الأحزاب لى عند مصرعى

فذا العرش صبرنى على ما يراد بى ... فقد بضعوا لحمى وقد ياس مطمعى

وذلك فى ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع

وقد خيرونى الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناى من غير مجزع «٢»

وما بى حذار الموت إنى لميت ... ولكن حذارى جحيم نار ملفع «٣»

ولست أبالى حين أقتل مسلما ... على أى جنب كان فى الله مصرعى

فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا إنى إلى الله مرجعى

وقال حسان بن ثابت يبكى خبيبا:

يا عين جودى بدمع منك منسكب ... وابكى خبيبا مع الفتيان لم يؤب

صقرا توسط فى الأنصار منصبه ... سمح السجية محضا غير مؤتشب

قد هاج عينى على علات عبرتها ... إذ قيل نص إلى جذع من الخشب

يا أيها الراكب الغادى لطيته ... أبلغ اليك وعيدا ليس بالكذب «٤»

بنى كهينة أن الحرب قد لقحت ... محلوبها الصاب إذ تمرى لمحتلب

فيها أسود بنى النجار تقدمهم ... شهب الأسنة فى معصوصب لجب


(١) ألبوا: أى جمعوا. ومجمع: مكان الاجتماع.
(٢) هملت عيناى: أى سال دمعها.
(٣) الجحيم: أى الملتهب المتقد. والملفع: أى المشتمل.
(٤) الطية: ما انطوت عليه نيتك من الجهة التى تريد أن تتوجه إليها.