للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الذين كان من أمرهم حب لقاء العدو، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، وقد مات فى ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له: مالك بن عمرو، أخو بنى النجار، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس، فقالوا: يا رسول الله، استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليه وسلم عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغى للنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» «١» .

فخرج فى ألف من أصحابه، حتى إذا كانوا بين المدينة وأحد انخذل عنه عبد الله بن أبى بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصانى، ما ندرى علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس.

فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوهم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الإنصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه.

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك فى حرة بنى حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب كلّاب سيف فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف:

«يا صاحب السيف، شم سيفك، فإنى أرى السيوف ستسل اليوم» «٢» .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رجل يخرج بنا على القوم من كثب، أى من قرب، من طريق لا تمر بنا عليهم» ، فقال أبو خيثمة أخو بنى حارثة: أنا يا رسول الله.

فنفذ به فى حرة بنى حارثة وبين أموالهم حتى سلك فى مال لمربع بن قيظى، وكان منافقا ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثى فى وجوههم التراب ويقول: إن كنت رسول الله فإنى لا أحل لك أن تدخل حائطى.

وذكر أنه أخذ حفنة من تراب فى يده ثم قال: والله لو أعلم أنى لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر» «٣» .


(١) انظر الحديث فى: الدر المنثور للسيوطى (٢/ ٦٨) ، تفسير الطبرى (٤/ ٤٦) ، تفسير ابن كثير (٢/ ٩١) .
(٢) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٤) .
(٣) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ١٤) .