للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكنا قديما لا نقر ظلامة ... وندرك ما شئنا ولا نتشدد

فيا لقصى هل لكم فى نفوسكم ... وهل لكم فيما يجىء به غد

فإنى وإياكم كما قال قائل ... لديك البيان لو تكلمت أسود

أسود هنا اسم جبل كان قتل فيه قتيل لم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول هذه المقالة، يعنون بها أن هذا الجبل لو تكلم لأبان عن القائل ولعرف بالجانى، ولكنه لا يتكلم، فذهبت مقالتهم تلك مثلا.

قال ابن إسحاق «١» : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب.

فكان طفيل بن عمرو الدوسى «٢» وكان رجلا شريفا شاعرا لبيبا يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذى بين أظهرنا قد أعضل بنا «٣» ، فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق به بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه.

قال: فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا «٤» فرقا من أن يبلغنى شىء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت فى نفسى: واثكل أمى! والله إنى لرجل لبيب شاعر وما يخفى على الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل، فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.


(١) انظر: السيرة (١/ ٣١٢- ٣١٣) .
(٢) هو: الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسى من دوس. انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (١٢٨٣) ، طبقات ابن سعد (٤/ ١/ ١٧٥) ، طبقات خليفة (١٣/ ١١٤) ، تاريخ خليفة (١١١) الجرح والتعديل (٤/ ٤٨٩) ، العبر (١/ ١٤) ، تاريخ ابن عساكر (٧/ ٦٢) .
(٣) أعضل بنا: أى أشد أمره ولم يوجد له وجه.
(٤) كرسفا: الكرسف يعنى القطن.