للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلغنى قسم الملك، وبعثت إليه بجراب من تراب أرضى ليضعه تحت قدميه، فيبر قسمه فى.

فلما انتهى ذلك إلى النجاشى رضى عنه، وكتب إليه: أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمرى «١» .

فأقام بها، ثم إن أبرهة بنى القليس «٢» بصنعاء، فبنى كنيسة لم ير مثلها فى زمانها بشىء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشى: إنى قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.

فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشى غضب رجل من النسأة أحد بنى فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، فخرج حتى أتى القليس فأحدث فيها، ثم لحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة؛ فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: رجل من أهل هذا البيت الذى تحج العرب إليه بمكة، لما سمع قولك: «أصرف إليها حج العرب» غضب فجاء فقعد فيها، أى أنها ليست لذلك بأهل «٣» .

فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه. ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم ساروا وخرج معه بالفيل. وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام.

فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه.

فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر فأتى به أسيرا، فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك لا تقتلنى، فإنه عسى أن يكون بقائى معك خيرا لك من قتلى.

وكان أبرهة رجلا حليما، فتركه من القتل وحبسه عنده فى وثاق.


(١) انظر: السيرة (١/ ٥٣- ٥٤) .
(٢) القليس: هى الكنيسة التى بناها أبرهة على باب صنعاء، وسميت القليس لارتفاع بنيانها وعلوه.
(٣) انظر: السيرة (١/ ٥٦) .