للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقدم دوس على النجاشى بكتاب قيصر، فبعث سبعين ألفا من الحبشة، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط، ومعه فى جنده أبرهة الأشرم، فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ومعه دوس، فسار إليه ذو نواس فى حمير، ومن أطاعه من قبائل اليمن، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه، فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه إلى البحر، ثم ضربه فدخل به، فخاض به ضحضاح «١» البحر حتى أفضى به إلى غمره فأدخله فيه، فكان آخر العهد به.

ودخل أرياط اليمن، فملكها «٢» .

فأقام بها سنين فى سلطانه ذلك، ثم نازعه فى أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشى، حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم، ثم سار أحدهما إلى الآخر، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط أنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا، فابرز لى وأبرز لك، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده. فأرسل إليه أرياط: أنصفت.

فخرج إليه أبرهة، وكان رجلا قصيرا لحيما، وكان ذا دين فى النصرانية، وخرج إليه أرياط، وكان رجلا عظيما جميلا طويلا، وفى يده حربة له، وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة يمنع ظهره، فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه «٣» ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة، فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته، فبذلك سمى أبرهة الأشرم.

وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله. فانصرف جند أرياط إلى أبرهة، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، وودى أبرهة أرياط. فلما بلغ ذلك النجاشى غضب غضبا شديدا وقال: عدا على أميرى فقتله بغير أمرى! ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته.

فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ثم بعث به إلى النجاشى، وكتب إليه:

أيها الملك إنما كان أرياط عبدك، وأنا عبدك، اختلفنا فى أمرك، وكل طاعته لك، إلا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه وقد حلقت رأسى كله حين


(١) الضحضاح: هو الماء القليل يكون فى الغدير، وقيل: هو الماء اليسير، وقيل: هو ما لا غرق فيه ولا له غمر، وقيل: هو الماء إلى الكعبين إلى أنصاف السوق. انظر: اللسان (مادة، ضحح) .
(٢) انظر: السيرة (١/ ٤٩- ٥٠) .
(٣) يافوخه: أى وسط رأسه ويجمع على يآفيخ.