للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لجائعهم، ومقطرة لجاهلهم. والمقطرة: خشبة ذات سلسلة يحبس فيها الناس. وفى ذلك يقول إبراهيم بن على بن هرمة:

وكانت لعباس ثلاث نعدها ... إذا ما جناب الحى أصبح أشهبا

فسلسلة تنهى الظلوم وجفنة ... تناخ فيكسوها السنام المرغبا

وحلمة عصب ما تزال معدة ... لعار ضريك ثوبه قد تهدبا

وقال ابن شهاب: لقد جاء الله بالإسلام وإن جفنة العباس لتدور على فقراء بنى هاشم، وإن قيده وسوطه لمعد لسفهائهم. قال: فكان ابن عمر يقول: هذا والله الشرف، يطعم الجائع ويؤدب السفيه!.

وكان أبو بكر وعمر فى ولايتهما لا يلقى العباس واحد منهما وهو راكب إلا نزل عن دابته وقادها ومشى مع العباس حتى يبلغ منزله أو مجلسه فيفارقه. وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبى طالب. وكان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعمون.

وذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم، فكان أبو طالب هو الذى يلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده، فكان إليه ومعه «١» .

وذكر الواقدى أن أبا طالب كان مقلا من المال، وكانت له قطعة من الإبل تكون بعرنة، فيبدو إليها فيكون فيها، ويؤتى بلبنها إذا كان حاضرا بمكة.

فكان عيال أبى طالب إذا أكلوا جميعا وفرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا. فكان أبو طالب إذا أراد أن يعشيهم أو يغديهم يقول: كما أنتم حتى يأتى ابنى.

فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم؛ وإن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم، ثم يناول العيال القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعبا!. فيقول أبو طالب: إنك لمبارك!. وكان الصبيان يصبحون شعثا رمضا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا.

وقالت أم أيمن «٢» ، وكانت تحضنه: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا جوعا قط ولا


(١) انظر: السيرة (١/ ١٥٩) .
(٢) هى: بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، غلبت عليها كنيتها. انظر ترجمتها فى: الاستيعاب الترجمة رقم (٣٢٨٧) ، الإصابة الترجمة رقم (١٠٩٢١) .