للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما جاء يطلب، فرجع إلى قيصر ومات بالشام مسموما. يقال: سمه عمرو بن حفنة الغسانى الملك، وكان يقال لعثمان: هذا البطريق، ولا عقب له.

قال ابن إسحاق «١» : وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل فى يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه، فاعتزل الأوثان، والميتة والدم، والذبائح التى تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموؤدة، وقال: أعبد رب إبراهيم، وبادى قومه بعيب ما هم عليه.

قالت أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة، وهو يقول: يا معشر قريش، والذى نفس زيد بن عمرو بيده، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيرى. ثم يقول: اللهم لو أنى أعلم أى الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكن لا أعلمه. ثم يسجد على راحلته «٢» .

وسأل ابنه سعيد بن زيد وابن عمه عمر بن الخطاب بن نفيل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنستغفر لزيد بن عمرو؟ قال: «نعم، فإنه يبعث أمه وحده» «٣» .

وقال زيد بن عمرو بن نفيل فى فراق دين قومه:

أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور

عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور

فلا عزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمى بنى عمرو أزور

ولا غنما* أدين وكان ربا ... لنا فى الدهر إذ حلمى يسير

عجبت وفى الليالى معجبات ... وفى الأيام يعرفها البصير

بأن الله قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور

وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير

وبينا المرء يعثر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن المطير «٤»

ولكن أعبد الرحمن ربى ... ليغفر ذنبى الرب الغفور


(١) انظر: السيرة (١/ ١٩٣) .
(٢) ذكره البخارى فى صحيحه تعليقا فى كتاب مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل (٧/ ١٤٣) .
(٣) انظر الحديث فى: دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ١٢٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٢/ ٢٣٩) ، المطالب العالية لابن حجر (٤٠٥٥) .
(*) هكذا فى الأصول، وفى السيرة (١/ ١٩٤) : «ولا هبلا» .
(٤) ثاب: رجع. يتروح: يهتز ويحتضر، وينبت ورقة بعد سقوطه.