وذكروا أنه قال لعلى: أى بنى ما هذا الدين الذى أنت عليه؟. فقال: يا أبت، آمنت برسول الله وصدقت بما جاء به وصليت معه لله واتبعته. فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.
قال ابن إسحاق «١» : ثم أسلم زيد بن حارثة الكلبى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد على بن أبى طالب، وعن غير ابن إسحاق أن زيدا أصابه فى الجاهلية سباء فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد وقيل: بل وهبه لها، فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه، وكان حارثة أبوه قد جزع عليه جزعا شديدا وبكى عليه حين فقده، فقال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحى فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدرى وإنى لسائل ... أغالك بعدى السهل أم غالك الجبل
ويا ليت شعرى هل لك الدهر أوبة ... فحسبى من الدنيا رجوعك لى بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا غربها أفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس فى الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتى أو تأتى على منيتى ... فكل امرىء فإن وإن غره الأمل
ثم إن أناسا من كلب حجوا فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فأعلموا أباه ووصفوا له موضعه وعند من هو. فخرج أبوه حارثة وعمه كعب ابنا شراحيل لفدائه.
وقدما مكة فسألا عن النبى صلى الله عليه وسلم فدخلا عليه فقالا: يا ابن عبد المطلب بن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العانى وتطعمون الأسير، جئناك فى ابننا عبدك، فامنن عليه وأحسن إلينا فى فدائه. قال: «من هو؟» قالوا: زيد بن حارثة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا غير ذلك؟» قالوا: ما هو؟ قال: «أدعوه فأخيره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارنى فو الله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدا» .
قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت.
فدعاه فقال: «هل تعرف هؤلاء؟» قال: نعم. قال: «من هذا؟» قال: أبى وهذا عمى.
قال: «فأنا من قد علمت ورأيت صحبتى لك فاخترنى أو اخترهما» . قال زيد: ما أنا بالذى اختار عليك أحدا، أنت منى مكان الأب والعم!، فقالا: ويحك يا زيد! أتختار
(١) انظر: السيرة (١/ ٢١٠) .