للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال «١» : ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من فى القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه. فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. ومنع الله تبارك وتعالى، رسوله منهم بعمه أبى طالب، وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون فى بنى هاشم وبنى المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليهم، إلا ما كان من أبى لهب.

فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره من جدهم وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر قديمهم وفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره، فقال:

إذا اجتمعت يوما قريش لمخفر ... فعبد مناف سرها وصميمها «٢»

فإن حصلت أشراف عبد منافها ... ففى هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإن محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها «٣»

وكنا قديما لا نقر ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها


-
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ... ألا ليت حظى من حياطتكم بكر
من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر
تخلف خلف الورد ليس بلا حق ... إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر
بلى لهما أمر ولكن تجرجما ... كما جرجمت من رأس ذى علق صخر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
هما أغمزا للقوم فى أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
هما أشركا فى المجد من لا أبا له ... من الناس إلا أن يرس له ذكر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا بغى النصر
فو الله لا تنفك منا عداوة ... ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
فقد أسفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر
انظر: السيرة (١/ ٢١٩- ٢٢٠) .
(١) انظر: السيرة (١/ ٢٢٠) .
(٢) سرها وصميمها: أى خالصها وكريمها.
(٣) غثها وسمينها: الغث اللحم الضعيف، والسمين الماقبل أو العكس. طاشت حلومها: أى ذهبت عقولها.