للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قام عنهم، وقام معه عبد الله بن أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك، فلم تفعل، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله، فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب، فلم تفعل. أو كما قال له، فو الله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلمأ ثم ترقى فيه وأنا أنظر، حتى تأتيها، ثم تأتى معك بصك معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله لو فعلت ذلك ما طننت أنى أصدقك. ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه.

فلما قام عنهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإنى أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله، أو كما قال، فإذا سجد فى صلاته فضخت به رأسه، فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا: والله لا نسلمك لشىء أبدا فامض لما تريد.

فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدر، وكان بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلى صلى بين الركنين: الركن اليمانى والحجر الأسود وجعل الكعبة بينه وبين الشام.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى، وقد غدت قريش فى أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده. وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم بى أن يأكلنى.

قال ابن إسحاق «١» : فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذلك جبريل، لو دنا لأخذه» «٢» .


(١) انظر: السيرة (١/ ٢٤٦) .
(٢) انظر الحديث فى: دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ١٩١) .