وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعصى الخسف حتى يسالما
وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانما أو مغارما
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما
بتفريقهم من بعد ود وألفة ... جماعتنا كيما ينالوا المحارما
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما تروا يوما لدى الشعب قائما
وكان أبو بكر رضى الله عنه، كما حدثت عائشة رضى الله عنها، حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى، قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة فأذن له، فخرج مهاجرا حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدغنة، أخو بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهو يومئذ سيد الأحابيش فقال: أين يا أبا بكر؟.
قال: أخرجنى قومى وآذونى وضيقوا على. قال: لم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدوم، فارجع فأنت فى جوارى. فرجع معه حتى إذا دخل مكة قام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إنى قد أجرت ابن أبى قحافة فلا يعرضن له أحد إلا بخير، قالت: فكفوا عنه.
وكان لأبى بكر مسجد عند باب داره فى بنى جمح فكان يصلى فيه، وكان رجلا رقيقا إذا قرأ القرآن استبكى، فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته، فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا له: إنك لم تجر هذا ليؤذينا، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم، فائته فأمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء، فمشى ابن الدغنة فقال: يا أبا بكر، إنى لم أجرك لتؤذى قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذى أنت به وتأذوا بذلك منك فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت، قال: أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟ قال: فاردد على جوارى. قال: قد رددته عليك. فقام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبى قحافة قد رد على جوارى فشأنكم بصاحبكم «١» .
وعن القاسم بن محمد أن أبا بكر لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه التراب، فمر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل فقال أبو بكر: ألا ترى
(١) انظر الحديث فى: صحيح البخارى كتاب الكفالة (٢٢٩٧) ، مسند الإمام أحمد (٦/ ١٩٨) .