للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق وركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادى قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذى ذهب به.

فلما وقف عليهم قال: يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون أمرى فيكم؟ قالوا: سيدنا، أفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة «١» . قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم حرام على حتى تؤمنوا بالله ورسوله.

قال: فو الله ما أمسى فى دار بنى عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة.

ورجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون «٢» ، إلا ما كان من دار بنى أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف، وتلك أوس الله، وهم من الأوس بن حارثة.

وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت «٣» وكان شاعرا لهم قائدا يسمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى بدر وأحد والخندق، وقال فيما رأى من الإسلام وما اختلف الناس فيه من أمره:

أرب الناس أشياء المت ... يلف الصعب منها بالذلول

أرب الناس إما إن ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل

فلولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذى شكول «٤»

ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان فى جبل الجليل

ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا عن كل جيل «٥»

نسوق الهدى ترسف مذعنات ... مكشفة المناكب فى الجلول


(١) أيمننا نقيبة: النقيبة أيمن النعل، وقال ابن بزرج: اللهم نقيبة أى نفاذ رأى، ورجل ميمون النقيبة: مبارك النفس، مظفر بما يحاول. انظر: اللسان (مادة نقب) .
(٢) انظر الحديث فى: دلائل النبوة للبيهقى (٢/ ٤٣٨، ٤٣٩) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦/ ٤٢) .
(٣) انظر ترجمته فى: طبقات فحول الشعراء (١/ ٢٢٦) .
(٤) قال السهيلى فى الروض الأنف: شكول جمع شكل، وشكل الشىء بالفتح هو مثله، والشكل بالكسر الدل والحسن، فكأنه أراد أن دين اليهود بدع فليس له شكول أى: ليس له نظير فى الحقائق ولا مثيل يعضده من الأمر بالمعروف المقبول.
(٥) خنيفا: من حنف إذا مال، أى مائلا عن الأديان الباطلة، والميل هو الصنف من الناس.