ثم استقبل لهم أمر عيسى وكيف كان بدء ما أراد به، فقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
ثم ذكر امرأة عمران ونذرها لله ما فى بطنها محررا، أى تعبده له سبحانه لا ينتفع به لشىء من الدنيا، ثم ما كان من وضعها مريم وتعويذها إياها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم.
يقول الله تبارك وتعالى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا أى ضمها وقام عليها بعد أبيها وأمها.
ثم قص خبرها وخبر زكريا وما دعا به وما أعطاه، إذ وهب له يحيى، ثم ذكر مريم وقول الملائكة لها: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
. يقول الله جل وعز: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ أى يستهمون عليها، أيهم يخرج سهمه يكفلها. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ أى ما كنت معهم إذ يختصمون فيها.
يخبره بخفى ما كتموا منه من العلم، تحقيقا لنبوته وإقامة للحجة عليهم بما يأتيهم به مما أخفوا منه. ثم قال تعالى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ.
أى هكذا كان أمره لا ما يقولون فيه، وإن هذه حالاته التى يتقلب بها فى عمره كتقلب بنى آدم فى أعمارهم صغارا وكبارا، إلا أن الله خصه بالكلام فى مهده آية لنبوته، وتعريفا للعباد مواقع قدرته. قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ.
أى يصنع ما أراد ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر. ويصور فى الأرحام ما يشاء وكيف يشاء بذكر وبغير ذكر. إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
ثم أخبرها بما يريد به من كرامته وتعليمه الكتاب والحكمة والتوراة المنزلة على موسى قبله والإنجيل المنزل عليه، وجعله رسولا إلى بنى إسرائيل، مؤيدا من الايات بما