للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح، ما ترى؟

فقال: «والله، يا معشر النصارى لقد علمتم أن محمدا لنبى مرسل، ولقد جاءكم من خبر صاحبكم بالحق، ولقد علمتم ما لا عن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول فى صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم» .

فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونرجع إلى ديننا، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا فى أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضى.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتونى العشية أبعث معكم القوى الأمين» . فكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يقول: ما أحببت الإمارة قط حبى إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه ويساره فجعلت أتطاول له ليرانى، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة ابن الجراح، فدعاه فقال: أخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه. قال عمر:

فذهب بها أبو عبيدة «١» .

ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهى أوبأ أرض الله من الحمى، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم حتى جهدوا فما كانوا يصلون إلا وهم قعود، وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم صلوات الله عليه، وهم يصلون كذلك، فقال لهم:

«اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» . فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماس الفضل! «٢» .

وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه، ممن أصابته الحمى، وكذلك مولياه عامر بن فهيرة وبلال، قالت عائشة: فدخلت أعودهم قبل أن يضرب علينا الحجاب وهم فى بيت واحد وبهم ما لا يعلمه إلا الله من الوعك، فدنوت من أبى بكر فقلت له: كيف


(١) انظر الحديث فى: صحيح البخارى كتاب المغازى (٤٣٨٠) ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة (٤/ ٥٥) .
(٢) انظر الحديث فى: صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين (١/ ١٢٠) ، سنن النسائى (١٦٥٨) ، سنن أبى داود (٩٥٠) ، سنن ابن ماجه (١٢٢٩، ١٢٣٠، ١٢٣١) ، مسند الإمام أحمد (٢/ ١٩٣، ٣/ ٤٢٥، ٦/ ٦١، ٧١) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٢٢٤) ، فتح البارى لابن حجر (٢/ ٦٨٢) .