للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى الصحيح من حديث أبى ذر الغفارى، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى مسجد وضع فى الأرض أول؟ فقال له: «المسجد الحرام» قال: قلت: ثم أى؟ قال: «ثم المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون عاما» «١» .

وذكر الزبير بن أبى بكر بإسناده إلى جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنه، قال:

كنت مع أبى محمد بن على بمكة فى ليالى العشر قبل التروية بيوم أو يومين، وأبى قائم يصلى فى الحجر، وأنا جالس وراءه، فجاء رجل أبيض الرأس واللحية، جليل العظام بعيد ما بين المنكبين عريض الصدر، عليه ثوبان غليظان فى هيئة محرم، فجلس إلى جنبه، فخفف أبى الصلاة، فسلم ثم أقبل عليه، فقال له الرجل: يا أبا جعفر، أخبرنى عن بدء خلق هذا البيت كيف كان؟.

فقال له أبو جعفر محمد بن على: ممن أنت يرحمك الله؟ قال: رجل من أهل الشام.

فقال له محمد بن على: إن أحاديثنا إذا سقطت إلى الشام جاءتنا صحاحا، وإذا سقطت إلى العراق حجاءتنا وقد زيد فيها ونقص.

ثم قال: بدء خلق هذا البيت أن الله تبارك وتعالى، قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فردوا عليه: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الآية.

وغضب عليهم، فعاذوا بالعرش، وطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم، فرضى عنهم وقال لهم: ابنوا لى فى الأرض بيتا فيعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم ويطوفون حوله، كما فعلتم بعرشى، فأرضى عنهم.

فبنوا له هذا البيت. فهذا يا عبد الله بدء خلق هذا البيت.

فقال الرجل: يا أبا جعفر، فما بدء خلق هذا الركن؟.

فقال: إن الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق، قال لبنى آدم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى.

وأقروا. وأجرى نهرا أحلى من العسل وألذ من الزبد، ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر فكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر، فهذا الاستلام الذى ترى إنما هو بيعة على إقرارهم بالذى كانوا أقروا به.


(١) أخرجه البخارى (٤/ ١٧٧، ١٩٧) ، مسلم فى صحيحه كتاب المساجد (١، ٢) ، البيهقى فى السنن الكبرى (٢/ ٤٣٣) ، السيوطى فى الدر المنثور (٢/ ٥٢) ، ابن كثير فى التفسير (٢/ ٦٣، ٥/ ٤٠٩) ، القرطبى فى التفسير (٤/ ١٣٧) ، أبو نعيم فى الحلية (٤/ ٢١٦) .